Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

العمل مقابل العلم.. ظروف عمل شاقة يعيشها طلاب الشمال السوري

خاص - SY24

وسط ظروف معيشية قاسية، يعيشها غالبية السكان في مناطق الشمال السوري، يجد عدد من الطلاب/ات الجامعيين أو حتى طلاب المدارس، أنفسهم مرغمين على العمل قبل انتهاء تخرجهم والعمل ضمن اختصاصهم، لمساعدة ذويهم في مصروف المنزل، وتأمين أقساط التعليم ولاسيما الجامعي، على حساب أوقات دراستهم أو راحتهم الشخصية.

يمضي الشاب “قصي” 21 عام، معظم وقته في العمل، بأحد المحلات التجارية، بعد دوامه الجامعي، إذ يعمل من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشرة ليلاً، كمحاسب مالي، مقابل أجرة يومية لا تتجاوز ثلاثة دولار ونصف أي مايعادل 70 ليرة تركية، وذلك لتأمين مصروفه الشخصي، ومساعدة والده في تسديد أقساط الجامعة.

يدرس “قصي” في كلية العلوم الصحية بجامعة حلب في مدينة أعزاز، وهو الآن في السنة الثالثة اختصاص تخدير، يدفع 400 دولار قسط الجامعة سنوياً وهو مبلغ مرتفع بالنسبة لأغلب الطلاب، لذا تجد كثيراً من زملائه يعملون بمهن أخرى أثناء دراستهم لتأمين أقساط الجامعة.

يقول “قصي” في حديثه إلينا: إن “العمل ضمن الدراسة له ايجابياته وسلبياته، فهو يعلم الشخص الاعتماد على نفسه في سن مبكرة، ويساعد الأهل في حمل جزء بسيط من تكاليف الدراسة، ولكنه في الوقت نفسه يحرم الطالب من الوقت الكافي للدراسة والتحضير الجيد للامتحانات، ويحرم الشاب من أوقات الفراغ التي هي من حقه”.

يخبرنا “قصي” أن عدداً من رفاقه في كليات الطب البشري، والكليات الأخرى، يعملون في مهن شاقة، منها ورش البناء، مقابل أجور زهيدة لا تتعدى 60 ليرة يومياً، وذلك لتأمين مصاريف دراستهم الجامعية.

كحال الشاب “علي” مهجر من ريف دمشق، يدرس في كلية التاريخ بجامعة إدلب، يعمل في ورشة بناء مع عمه وعدد من العمال، معظمهم طلاب جامعة، غير أن عمله يكون بشكل متقطع بسبب التزامه بالدوام أحياناً، ولايتوانى عن العمل بأي مكان فترة المساء، إذ عمل أيضاً في أحد مطاعم المدينة، وذلك لتأمين مصروفه الشخصي، ومساعدة عائلته أيضاً.

يخبرنا “علي” أن هناك استغلال كبير للعمال من قبل أرباب العمل، وذلك بسبب وفرة اليد العاملة مقابل قلة فرص العمل الموجودة، لذا فإن الأجرة قليلة مقابل ساعات العمل، والجهد المبذول، والتي قد تصل لتسع ساعات يومياً مقابل خمسين ليرة فقط، وهي لا تكف لإعداد وجبة طعام واحدة لعائلة صغيرة.

طلاب كثيرون أمثال علي وقصي، يعملون بمختلف المهن، لتأمين جزء بسيط من مصروفهم اليومي أو مساعدة ذويهم في تأمين لقمة العيش، وكذلك تعمل كثيرات من الطالبات حسب تجربة العديد من الشابات اللواتي تحدثنا إليهن.

“مروة عيسى” طالبة كلية العلوم السياسية في أعزاز، تعمل مدرسة في روضة أطفال خاصة بمدينة إدلب، وتذهب أوقات الامتحانات فقط لتقديم الفحص، تقول: إن “عملها لم يكن خياراً أو رفاهية، بل يجب عليها أن تعمل لتأمن قسط الجامعة، وتساعد عائلتها بالمصروف، إلى حين تخرجها وعملها في الاختصاص الذي يناسب دراستها”.

لم يكن العمل في مناطق شمال سوريا، مقتصراً على الطلاب الجامعيين فحسب، فأثناء إعداد التقرير التقينا عدداً من الصبية الصغار، طلاب مدارس ثانوية وإعدادية يعملون بعد المدرسة في مهن مختلفة، مقابل جهد كبير وأجور زهيدة، لا تتعدى 30 ليرة يومياً، أي أقل من دولارين.

“وليد الحموي” في الصف الثامن، مهجر من قلعة المضيق، يعمل بعد انتهاء مدرسته في أحد مطاعم الوجبات السريعة، في منطقة سكنه بكفر لوسين شمال إدلب، يقول “وليد” لمراسلتنا إنه “أمضى طيلة الصيف والعطلة الانتصافية في العمل، فهو لايعرف الراحة أو أيام العطل كباقي أقرانه، الذين يمضون أوقاتهم في الدراسة واللعب”.

إذ يعمل “وليد” في الجلي وتنظيف المطبخ وتقطيع البطاطا، ويبقى قرابة ثماني ساعات في المطعم، دون أن يجد فسحة للعب واللهو، وعند انتهاء فترة دوامه يذهب إلى منزله ليلاً، يدرس قليلاً ثم ينام استعداد ليوم شاق آخر، يقول لنا “لازم أساعد أهلي، والدي مريض وأخواتي صغار وأنا المسؤول عنهم”.

مع ذلك، فإن “وليد” يحافظ على تفوقه الدراسي ويبذل جهداً مضاعفاً للتوفيق بين الدراسة والعمل، في حين تجد مئات الأطفال المتسربين من المدارس، قد قصدوا سوق العمل وورش الصناعة، التي لاتناسب أعمارهم وأجسادهم الصغيرة، بعد أن أجبرتهم ظروف الحياة القاسية على ذلك لتأمين لقمة عيشهم.