في الذكرى الأولى للتحرير… أمهات يحملن صور أبنائهن بين الفرح والوجع

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24 - منيرة بالوش

في الساحات والشوارع العامة، اجتمع السوريون يوم أمس في الذكرى الأولى لتحرير سوريا. لوّحت الأعلام، وتعانقت الهتافات، وارتفعت الأغاني الوطنية في الأجواء، غير أنّ المشهد الأشد حضورًا وبقاءً كان ذلك الذي رسمته أمهات الشهداء والمعتقلين الذين قضوا في سجون نظام الأسد.

أمهاتٌ حملن صور أبنائهن كما لو كانت آخر ما تبقى من أرواحهم. صورٌ مُثبتة على خشب، أو مُوضوعة داخل إطارات بسيطة، أو حتى مطبوعة على قماش، لكنها جميعًا كانت تشعّ حياةً وحضورًا في ساحات الاحتفال.

كانت الأمهات يتأرجحن بين النقيضين: دموع حارقة تنسكب على الوجنات كلما لامست أصابعهن الصورة، وغناءٌ يرتفع فجأة مع كل موجة فرح تعمّ الساحة. فرحٌ بنصر طال انتظاره، وحزنٌ لم يغادر قلوبهن منذ الرحيل الأول لأبنائهن، وعدالةٌ ما زلن يطالبن بها ويؤمن أنها آتية.

كأنه العيد… هيك حضّرت البيت لابني

في ريف دمشق، جلست أم محمود مساء اليوم السابق للذكرى وهي تُجهّز منزلها كما لو كانت تستعد لعيد كبير. علّقت شرائط ملونة على باب البيت، رتبت المقاعد في الصالون، وأشعلت بخورًا كانت تحتفظ به منذ سنوات طويلة، يوم كان ابنها الشهيد يدخل عليها وهو يمازحها بضحكته الواسعة.

تقول وهي تضغط على صورة ابنها بين يديها: “ما بدي اليوم يكون حزن. بدي ابني يحسّ إنه معنا… إنه النصر إله كمان”.

في صباح اليوم التالي، خرجت أم محمود بعباءتها السوداء التي احتفظت بها منذ استشهاد ابنها، لكنّ وجهها كان يتوهج بحماسة غير مألوفة. توجّهت أولًا نحو ساحة التل، حيث وضعت صورة ابنها على اللوحة الكبرى التي حملت صور المئات من شهداء المنطقة. وقفت طويلًا أمام الصورة، تقرأ الفاتحة، ثم تبتسم للبقعة الصغيرة التي تحمل ملامحه، كما لو كان ينظر إليها من خلف الزجاج.

شيئًا فشيئًا، امتلأت الساحة بالناس. ارتفعت الصور فوق الرؤوس، وتداخلت أسماء الشهداء في نشيد جماعي واحد، بينما كانت أم محمود تصفق، ترفع صورة أخرى لابنها فوق رأسها، وتردد الأغاني التي كان يحبها.

من ريف دمشق إلى الأمويين… دموع وزغاريد في الطريق

لاحقًا، وبرفقة أبنائها الآخرين، اتجهت أم محمود إلى ساحة الأمويين حيث كانت الجموع تحتفل بأعداد غير مسبوقة.

توقفت عند المدخل، أغمضت عينيها، ثم أطلقت أول زغرودة، قبل أن تنفجر بالبكاء في اللحظة التالية.

تقول: “ابني مو هون بجسده… بس موجود بكل خطوة. اليوم حسّيت روحه معنا، وقلتله: شايف يا أمي ؟ ما متت عالفاضي… سوريا تحررت”.

كانت الأمهات من حولها يرددن أغاني الشهيد، يرفعن الصور باتجاه السماء، ويبكين كلما مرت مجموعة شبان تهتف للحرية. بعضهن فقدن أبناء في السجون، وبعضهن ينتظرن أسماء أبنائهن بين كشوف الموتى منذ سنوات، لكنهن جميعًا اتفقن على شيء واحد في هذا اليوم: أنّ الفرح حق لهن أيضًا، وأن العدالة قادمة، مهما تأخرت.

سوريا المحتفلة… وسوريا التي لم تعد بعد

وبين الهتاف والدمع، بقيت حقيقة واحدة تصرخ بصمت فوق الساحات، أن صور الأبناء التي حملتها الأمهات كانت أقوى من الزينة، وأصدق من الأغاني، وأعمق من كل خطاب،

وأن حكايات هؤلاء الشهداء والمعتقلين ستظل جزءًا من ذاكرة سوريا الجديدة، سوريا التي تستعيد أبناءها بالاسم والصورة، وتنتظر أن تستعيدهم يومًا بالعدالة.

مقالات ذات صلة