Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

كلمة السر هي “جنيف” والروس يدركون ذلك

قال “بيتر بوريان” الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى منذ أيام في تصريحات له، إنّ “العملية الرئيسية لتسوية الأزمة السورية يجب أن تتمّ عبر مفاوضات جنيف”، وقال أيضاً “نحن نرى أن مسار أستانا هو عنصر من مسار التسوية السياسية لكل جوانب الأزمة”.

يأتي هذا القول والتصريحات كنافذة تفاهم ممكنة بين مسارين مختلفين لحل الصراع في سورية، فمسار جنيف الذي ساهم الروس بإصدار قراراته الدولية، ثم تنصلوا عنها، لا يقبل الأمريكيون والأوربيون بالتخلي عن هذا المسار، لأنه مسار يناسب الوضع السوري، والروس وبعد تدخلهم العسكري والسياسي والديبلوماسي في الصراع السوري، اختطوا مسار أستانا، ولا يمكنهم التنازل عن نتائج ملموسة حصدوها من هذا المسار بعد تدخلهم، فإذا أنكر الطرفان الأمريكي والروسي رؤية مصالح الطرف الآخر، فهذا يقود بالضرورة إلى مساحة صراع جديدة تبدأ في المربع السوري، ولا أحد يعرف لاحقاً أين ستنتهي.

الطرف الأمريكي يمكن أن يقدّم للروس بعض الضمانات بما يخصّ مصالحهم في سورية، ولكنهم لن يقدموا تنازلات للإيرانيين، ولهذا ينبغي أن يوافق الروس على إيجاد مخرجٍ سياسي يزاوج بين مساري أستانا وجنيف، فالأوربيون وعلى لسان “بوريان”، قالوا إن مسار أستانا هو عنصر من مسار التسوية السياسية، ولكن لم يقولوا أنه مسار مقبول للحل النهائي للصراع، ولكن يمكن أن يكون عنصراً من مسار الحل.

لكن الإيرانيين استثمروا في الصراع السوري من أجل أن يحصلوا على امتيازات جيوسياسية تخصُّ نفوذهم في العراق وسورية ولبنان، هذا الاستثمار يتعارض في العمق مع المصالح الروسية في سورية والتي قد يمرّرها الغرب، ولذلك فإنّ تنصل الروس عن متابعة الدعم للوجود الإيراني ووجود الميليشيات الشيعية في سورية، يعني بالملموس عدم قيامهم بأيّ مجهود عسكري يعارض ما تقوم به إسرائيل، أو يقوم به التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من تعرّض المواقع والقواعد الإيرانية للقصف الجوي أو الصاروخي.

افتراق الجهد الروسي عن تحالفه مع إيران وفق صيغته الجارية وارد تماماً، فالمطلوب إحداث استدارة تتلاقى مع جهد غربي تقوده الولايات المتحدة يؤدي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، يكون خفض التوتر والتصعيد جزءً منها.

افتراق الجهد الروسي عن حماية الإيرانيين والميليشيات وحتى القسم المعارض من قوى النظام الأسدي القريبة من التوجه الإيراني يعني بالضرورة أن احتمالات الحل السياسي للصراع في سورية سيجد أمامه عدة طرق.

افتراق الجهد الروسي عن حماية الإيرانيين والميليشيات وحتى القسم المعارض من قوى النظام الأسدي القريبة من التوجه الإيراني يعني بالضرورة أن احتمالات الحل السياسي للصراع في سورية سيجد أمامه عدة طرق.

الطريق الأولى أن تخرج إيران وميليشياتها دون لبسٍ من سورية بضمانة عدم تعرضها للتدمير، الطريق الثانية هي أن ترفض إيران وميليشياتها الخروج من سورية، وهذا يجعلها هدفاً للضربات الغربية والإسرائيلية، وحتى لضربات الفصائل المسلحة المدعومة من التحالف الدولي، أما الطريق الثالثة فقد تأخذ شكلاً آخر، وهذا أمر وارد كاحتمال، وهو أن يتوافق الروس والأمريكان على تمرير قرار دولي ملزم تحت الفصل السابع لتنفيذ ما يتمّ التوصل إليه من مخرجات في جنيف، وهذه الطريق توفر للروس الخلاص من الحرج أمام كل حلفائها السابقين، وتحقق لهم مصالحهم، فهل يلتقط الروس الإشارة الغربية التي باح بها “بوريان” أم أن الديبلوماسية الروسية ستبقى رهينة تخييل “لافروف”، ذلك التخييل الذي لا يرتكز على فهم الصراع بعمقٍ، وإنما يفهمه عبر تضخيم “الأنا” الروسية، التي تحاول دون جدوى ومنذ سنوات، أن تستعيد دوراً سابقاً، انتهت مقاديره وفعاليته السياسية، منذ أن سقط الاتحاد السوفياتي، وعادت دولة إلى حجومها الطبيعية.