Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

محبو الأسد على مؤخرة الطرطيرة

محبو الأسد (الأب ثم الابن) ليسوا على سوية واحدة من الذكاء والألمعية، فهناك طبقة من المحبين يمكن أن نسميها “طبقة اللوردات”.. وهؤلاء، في الأساس، أصحاب مشاريع سياسية واقتصادية كبيرة، لا يوجد لديهم وقتٌ للحب، والكراهية، والعواطف الجياشة، والحكي الفاضي، ولكنهم يتخذون من حب الأسد والولاء له سياسةً داعمة لمشاريعهم ومصالحهم، ولا شك أنهم يحبونه لهذا السبب بالذات.. وإذا اختلت هذه المعادلة النفعية فمؤكد أنهم لا يشترونه بفرنك.

لو نزلنا عن مستوى هذه الطبقة، فلا شك أننا سنكون حيال مجموعة من الحكايات والنوادر الطريفة.. ففي أواخر الثمانينات، وبذريعة التصدي للإخوان المسلمين، تمكنت الطغمة الأمنية العسكرية من إحكام قبضتها على رقبة الشعب السوري، وأصبح الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله المواطن ويجاهر به دون خوف، أو وجل، هو حب الأسد، وتعييشه، والنفاق له، ومَنْ كان يريد أن ينأى بنفسه عن النفاق فإنه يمشي بجوار الحائط، ويقول في نفسه: يا رب سترَك.

أذكر أننا مررنا أنا وصديقي “يوسف أبو حسين”، ذات ظهيرة، أمام المؤسسة العامة الاستهلاكية في إدلب، فوجدنا تجمعاً كبيراً من الناس، والقوى الأمنية منتشرة حول المكان، وفي الوسط طبال وزمار وفرقة دبكة يوجد بينهما مجموعة من لاعبي السيف الترس.. كنت سأتابع طريقي، ولكن يوسف تملكه الفضول، وطلب مني أن ننتظر قليلاً لنتبين حقيقة ما يجري.

ولدى سؤالنا أحدَ المتجمهرين أفادنا أن مدير المؤسسة قد أمر عماله المختصين بالمشتريات أن يأتوا بورشة إصلاح للبناء فتزيل الجدران الفاصلة بين ثلاثة دكاكين موجودة في الطابق الأرضي، وتحولها إلى صالة بيع بالمفرق.. وحينما أصبحت الصالة جاهزة، ولأجل أن يثبت مديرُ المؤسسة حبه للقائد، وولاءه للحزب والثورة، دعا أمينَ الفرع والمحافظ والمسؤولين المحليين لتدشين هذا العمل (العظيم) الذي لا شك بأن التاريخ سوف يخلده!

الأحلى من هذا كله، أن أحد عناصر مجموعة لاعبي السيف والترس كان واقفاً بين عناصر الفرقة وهو في حالة تأهب، ويده على مقبض السيف، وبين الحين والآخر كان يمد بوزه إلى عبه، حيث يُخبئ بطحة عرق، ويأخذ منها “غبة”، ويمسح شاربيه بيده، دواليك حتى خرج موكب المحافظ وأمين الفرع وباقي أعضاء الموكب من مدخل المؤسسة، وإذا بهذا السياف يستل سيفه- كما لو أنه الزير سالم أبو ليلى المهلهل- ويتقدم باتجاههم، ويقول: “هيه يا رفاق هيه.. اشهدوا علي، أنا بدي أقول هالكلمتين وماني خايف من حدا، والله أنا ما بخاف ولو على قطع رقبتي.. أنا بحب القائد أبو سليمان، واللي ما بيعجبه هالحكي ينطح راسه بحيط هالصالة الجديدة”!

استكمالاً لرسم ذلك المشهد الجميل أقول إن عناصر المخابرات المنتشرين في المكان حينما رأوا “السياف الراقص” يشهر السيف ويتقدم من الرفاق المسؤولين أخرجوا مسدساتهم وصوبوها نحوه، ولكن جسارته الغريبة التي تجلت في المجاهرة بحب القائد جَمَّدَتْ أيديهم.. ولإنقاذ الموقف نقر الطبال على طبله نقرات مرحة، والزمار بدأ بالترغلة، وراحت الفرقة تقوم وتقعد، والسيافون يتبارزون بمرح، وحلقة الدبكة انعقدت تلقائياً، وانضم إليها المحافظ، وهو رجل شبه كروي يوحي منظره بأنه يصلح لكل شيء عدا الدبكة، وأمين الفرع، وأعضاء الشعب والفرق الحزبية.

ووقتها دق الحماسُ عناصر الأمن فرفعوا مسدساتهم إلى الأعلى، وباشروا بإطلاق النار، ابتهاجاً بالحَدَثين التاريخيين اللذين شهدتهما مدينة إدلب في آن واحد، أعني تدشين صالة بيع للمستهلك، وإقدام ابن بلدتنا على المجاهرة بحبه لحافظ الأسد.

ووقتها دق الحماسُ عناصر الأمن فرفعوا مسدساتهم إلى الأعلى، وباشروا بإطلاق النار، ابتهاجاً بالحَدَثين التاريخيين اللذين شهدتهما مدينة إدلب في آن واحد، أعني تدشين صالة بيع للمستهلك، وإقدام ابن بلدتنا على المجاهرة بحبه لحافظ الأسد.

تقصينا، أنا وصديقي يوسف، عن الأسباب الحقيقية لحدوث هذا المشهد المسرحي الارتجالي، فعرفنا أن لاعب السيف الجريء ذهب في اليوم التالي إلى فرع الحزب، وقابل أمين الفرع، وطلب منه ورقة توصية من يده إلى قائد شرطة المحافظة لكي يعطيه “طرطيرة”، باعتبار أنه إنسان فقير، وأن الطرطيرة يمكن أن تكون بالنسبة إليه مصدر رزق.

ضحك أمين الفرع وقال له: يبدو أنك غلطان بالنمرة يا أبو الشباب.. أنت مفكر أن قائد الشرطة عنده طرطيرات؟

قال له: يا سيدي ورحمة أبوي عنده، لأن كل الطرطيرات اللي بيصادروها الشرطة موجودة عنده. أنت عطيني ورقة والباقي علي.

خلاصة الحكاية أن الرجل استلم طرطيرة مصادَرة من مكتب قائد الشرطة، وذهب من توه إلى الخطاط وكتب على مؤخرتها: الأسد يتكلم وكل الناس تخرس!

ولم يكن هذا الكلام اعتباطياً، فمن يومها والأسد يتكلم والناس تخرس!