Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

ما بعد هلسنكي.. ترامب وملف الصراع السوري

لم تكن قمّة بوتين وترامب التي انعقدت في هلسنكي بـ “فنلندا” في 16 تموز 2018، مجرد قمّة عادية بين رئيسي دولتين كبيرتين، وإنما كانت مدخلاً لفتح ملفاتٍ جديدة بين الرجلين.

فالضغوط التي لاحقت الرئيس “دونالد ترامب” بعد نجاحه في انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي أشارت إلى تدخلٍ روسي فيها، لم تكن مجرد ظنون وشكوك، أو مجرد زوابع إعلامية.

فالكونغرس الأمريكي ومنذ عام 2017 كلّف المدعي العام “روبرت مولر” بالتحقيق في ملف التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذا الملف لم يُغلق بعد.

لكنّ الملفت في الأمر هو نشر منظمة ” AVAAZ Organization”، والتي ينتسب إليها ملايين الأعضاء لمعلومات قالت عنها أنها وثائق تدين الرئيس ترامب، وتكشف عن علاقته ببوتين وبرجال بوتين النافذين في السلطة الروسية.

المنظمة أوردت أنّ رئيس الحملة الانتخابية لترامب “بول مانافورد” هو حالياً في السجن بعد أن ثبُتت عليه تهم عديدة من بينها علاقته بأشخاص من أصحاب النفوذ الكبار في روسيا، إضافة إلى غسيل الأموال المتسخة.

وأوردت المنظمة أنّ المستشار الرئيسي والسمسار المالي لترامب لعدّة سنوات هو المجرم الروسي المدان ” فيلكس ساتر “، وهو من المافيا الروسية، ومن الحلقة الداخلية لبوتين.

هذه المعلومات التي أوردتها ” AVAAZ ” هي معلومات ليست ذات طابع تكهني، وإنما هي معلومات تستند إلى وقائع جرت في الواقع.

إذاً قمة هلسنكي هي قمة ترتيب أوراق بين حليفين وصديقين في السرّ، وخصمين في العلن، وهي قمة تؤثر بالدرجة الأولى على مصالح الدولة الأمريكية التي يُفترض أن يكون رئيس البلاد مؤتمناً عليها، وتؤثر على طريقة إدارة هذه المصالح عالمياً.

فما دام ترامب حسب تقرير منظمة AVAAZ على علاقة وثيقة برجال مالٍ من حلقة بوتين الخاصة، فهذا يعني اتهام صريح للرئيس ترامب بأنه رئيس غير مؤتمن على مصالح الدولة الأمريكية، وإنما هو يفعل ما يخدم مصالحه الشخصية كرجل أعمال.

هذا الاتهام والحملة التي تقوم بها AVAAZ واستدعاء “مايك بومبيو” للمثول أمام الكونغرس للإدلاء بشهادته حول قمة هلسنكي وما جرى فيها قد تفتح الباب على مصراعيه من أجل عزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه.

ولكن وقبل حدوث هذا الإجراء المتوقع، صار من الواضح لنا، أن ترامب ليس جاداً بتحديد موقفٍ واضح من الصراع السوري بما يخدم السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فالموقف الأمريكي وحسب المعطيات السياسية والاقتصادية المتوفرة ينبغي أن يُبنى على منع الروس والإيرانيين من السيطرة على سورية، ومنع إيران من الهيمنة على دول منطقة الشرق الأوسط.

لأن زيادة الهيمنة الإيرانية على هذه المنطقة يعني ببساطة تحول إيران إلى قوة اقتصادية وعسكرية، وتحويل المنطقة إلى مجال حيوي لها، معززاً بسلاح آخر هو سلاح “تشييع” شعوب هذه البلدان.

فإذا تمّ ذلك فأول المتضررين بعد شعوب الشرق الأوسط ستكون المصالح الأمريكية المرتبطة بالسيطرة على تدفق الطاقة بصورة سلسة وبأسعارٍ لا تضرّ الاقتصاد العالمي، وهذا يعني بدء أفول تدريجي للهيمنة الدولية الولايات المتحدة.

انكشاف العلاقة بين ترامب وبوتين وتحديداً في خلوتهما بهلسنكي دفع الكونغرس الأمريكي إلى استجواب وزير خارجية ترامب مايك بومبيو حول ما جرى من اتفاقات بين الرئيسين لم يعلن عنها، استجواب بومبيو هو خطوة جادة بتقييد سياسة ترامب.

انكشاف العلاقة بين الرئيسين كانت أول نتائجه إلغاء زيارة بوتين لواشنطن التي اتفقا عليها في هلسنكي، وتأجيلها إلى العام القادم ودون تحديد زمنها يعني عملياً إلغاءً لها.

ويمكن القول أن هذا الكشف عن العلاقة بين بوتين وترامب يفسّر الآن طبيعة السلوك الأمريكي حيال الصراع السوري، فترامب وبعد معرفة طبيعة وجوهر علاقته ببوتين وفّر للمراقبين المهتمين بالشأن السوري إضاءةً أوضحت غموض الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بهذا الصراع.

فالتهاون الأمريكي لم يكن تهاوناً بالدفاع من دولة عظمى عن شعب يتم ذبحه وتهجيره علناً فحسب، بل هو تهاون في الدفاع عن قرارات وقّع عليها الأمريكيون وتنازلوا عن إلزام الروس بتنفيذها، والسبب هو ارتباط ترامب ببوتين سراً.

إن العلاقة بين بوتين وترامب هي علاقة ستتضرر منها دول المنطقة التي وضعت أغلب تينها في سلّة ترامب، وتحديداً دول الخليج العربية، وهذا يتطلب مراجعتها لحساباتها بعد هذه الفضيحة.

إن موقف ترامب موقف ضعيف، لا يُبنى عليه سياسياً بما يخصّ ملف الصراع السوري، لأن حجم التنازلات الأمريكية لمصلحة الموقف الروسي بدءً من غضّ الطرف عن ضرورة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الخاصة بالصراع السوري الذي تمارسه إدارة ترامب، كذلك مغازلتها للمشروع الروسي “مناطق خفض التصعيد والتوتر”، والتنازل للروس بإدارة ملف هذا الصراع سيكون حجم هذه التنازلات كبيراً ومكلفاً على الشعب السوري.

إن من نتائج هذه التنازلات الترامبية اضطرار الهيئة العليا للمفاوضات على تقديم تنازلات جوهرية للسيد ديمستورا الذي ينفّذ أجندة روسية أهمها القبول بلجنة دستورية تعيد صياغة المربعات بما يخدم عودة نظام الاستبداد إلى بلدٍ خسر كلّ شيء ولم تبق لديه غير كرامته، وهذا ما يجب أن تعيه هذه الهيئة وتقدر خطورته.

والسؤال هل فضيحة تاريخ ترامب الاقتصادية وعلاقته بالمافيا الروسية ستطيح برئاسته؟ وهل ستحرر هذه الفضيحة القضية السورية من مخالب بوتين وتعيدها إلى مربع العدالة، هذا ما ينتظره السوريون ليتنفسوا الصعداء ولو قليلاً.