Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الحرب والفقر سببان رئيسيان لعمالة الأطفال في سوريا

سحر زعتور - SY24

يجلس “حسين” البالغ من العمر 17 عاماً، أمام باب منزله وينتظر عودة والدته من عملها اليومي في مركز الأجبان، وعلامات الحسرة والأسى بادية على وجهه.

قال “حسين” خلال لقاءات أجراها موقع SY24 لتسليط الضوء على عمالة الأطفال في الشمال السوري، إنه “في كل يوم ومع عودة والدته من العمل، تعود إلى ذاكرته الطفولية بقايا صور تحمل ملامح والده المعتقل في عودته اليومية من مكان عمله”.

معاناة اعتقال رب الأسرة ومعيلها تتشاركه أسر كثيرة من أبناء سوريا اليوم، وخاصة أولئك الذين يقطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث ظروف الحياة أصعب من مثيلاتها في أماكن أخرى، فلا العمل متوفر، وإن توفر فلا يكاد يفي حاجات الأسرة.

هذا الواقع تعيشه كل أسرة شمال سوريا إن صح التعبير، فكيف بأسر فقدت سندها ومعيلها نتيجة اعتقال قسري منذ سنوات في سجون النظام.

هذا الغياب أفرز نموذجاً جديداً وطارئاً على المجتمع السوري، تمثل ظاهرة الطفل البكر الذي يأخذ دور الأب والمعيل لأفراد الأسرة، متنازلاً في سبيل ذلك عن أبسط أحلامه وحقوقه وعلى رأسها التعليم وأن يعيش حياة الأطفال الآخرين.

فقد “حسين الصوص” من ريف إدلب الجنوبي والده حين كان في الحادية عشرة من عمره، وأجبرته الظروف للعودة إلى بلدته مع أسرته المؤلفة من أمه وإخوته الأربعة، تاركاً مكان إقامته في دمشق هرباً من الحرب الدائرة هناك وملاحقة النظام لأفراد العائلة.

لم يلبث “حسين” أن أدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، نتيجة الظروف المادية الصعبة التي عاشتها الأسرة بُعيد وصولها إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بفترة قصيرة، حيث لا عمل متوفر وبيت الجد ليسوا في وضع مادي ميسور يسمح لهم بإعالة أحفادهم، ليترك حسين مقاعد الدراسة وينخرط في العمل العضلي، كعتال أو مساعد لعمه “أحمد” الذي يعمل هو الآخر في حمل أكياس الحبوب في أحد المحال التجارية في بلدته، عن تلك الفترة قال حسين: “اصطحبني عمي برفقته إلى مكان عمله للمرة الأولى حتى اختبر نفسي هل أصلح لأكون عتالاً أم لا”.

وتابع بلهجة تحمل شيئاً من السخرية: “أضحك كثيراً على نفسي كلما تذكرت قدماي النحيلتان وهما ترتجفان تحت ثقل كيس الشعير الأول الذي طلب مني نقله”.

لن تتوقف معاناة حسين عند فقده الأب وحرمانه الدراسة ومغادرته لرفاقه ومكان طفولته، بل تعدتها ليضاف إليها معاناة بنكهة الدم والألم الناجم عن قصف طيران النظام لمنزله، ما سبب له عجزاً منعه حتى حلمه الآني في أن يصبح عتالاً.

وجدت والدته “تركية أم حسين” التي تبلغ من العمر 37 عاماً، نفسها بعد إصابة ابنها الأكبر مسؤولة عن إعالة الأسرة بالكامل، فأخذت دور الأم والأب معاً، وقالت لـ SY24، إنهم “عانوا كثيراً بعد قدومهم من دمشق، وأولادها الخمسة صغار والحياة لا ترحم، ولولا بعض المساعدات من أهل الخير لما تمكنت من تربيتهم حتى يصبح ابنها بعمر يناسب خروجه للعمل”.

وأضافت “أم حسين”، “يبدو أن السعادة وراحة البال لم تُكتب لنا، فها هو ابني فقد قدرته على العمل، ولولا عملي مؤخراً في مركز للألبان والأجبان فالله وحده كان أعلم بحالنا”.

عمل أم حسين لم يكن بالأمر السهل على ابنها، بل تحول ليكون سبباً يدفعه لإحساس بعجز وقصور يد عن مساعدتها والتخفيف عنها.

حيث علق على عمل والدته، قائلاً: “أشعر بالعجز وأنا أرى أمي تعود منهكةً من عملها في نهاية اليوم، في سعيها لتأمين عيش كريم لي ولأخوتي الصغار، وأنا أقف مكتوف اليدين عاجز عن مد يد العون لها”.

الواقع الاستثنائي الذي تعيشه عائلة أم حسين وأسر كثيرة مثلها، هو جزء من الصورة الاستثنائية العامة التي تعيشها مناطق المعارضة على صعيد تأطير العمل المؤسساتي وعدم وجود قوانين وأنظمة تحد وتمنع عمالة الأطفال، وتهيئ الظروف الملائمة الاقتصادية والتعليمية والخدمية التي تمهد لعودة هؤلاء الأطفال إلى مقاعد الدراسة، وتقيهم الحاجة والعوز.

“هيثم الخطيب” رئيس المجلس المحلي في مدينة كفرنبل، قال لـ SY24، إن “ظاهرة عمالة الأطفال موجودة ولا يمكن نكرانها، فهي نتاج للفقر والكثافة السكانية الناجمة عن النزوح وغيره من الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة اليوم”.

وأوضح “الخطيب” دور المجلس في التخفيف من هذه الظاهرة، “أطلقنا حملات توعية للأهل للتعريف بمخاطر عمالة الأطفال وآثارها السلبية كما يسعى المجلس عبر مشاريعه المتعددة كمشروع المال مقابل العمل لوضع شروط للمستفيدين تضمن تأمين فرص عمل لأرباب الأسر المعيلة بغية منحهم دخلاً مقبولاً يمنع عمالة أطفالهم”.

وأكد “الخطيب” في ختام حديثه، “على عدم وجود مؤسسة بعينها تمتلك مفاتيح الحل لهذه المشكلة، فهي تحتاج لتوحيد جهود جهات عدة منها الحكومية ومنها الإنسانية والعاملين في المجال المجتمعي والتوعوي والثقافي”.