Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

المرأة السورية.. بين “مجتمع الأرامل” وتعدد الزوجات

خاص - SY24

عملت رحى الحرب المستمرة في سوريا على عرك المجتمع بجميع فئاته، فكان للنساء النصيب الأكبر بدفع الضريبة المضاعفة خصوصاً النساء اللواتي خسرنا معيلهن، ومن أسوأ الكوارث المترتبة على الحرب هو ازدياد عدد الإناث بشكل كبير مقابل عدد الذكور الذين قتلوا، بالإضافة إلى الهجرة والاعتقال والاختفاء القسري، مما يخلق مجتمعاً أنثوياً لن يكون أكثر من مجتمع عوانس أو أرامل أو يتامى بحسب المصطلحات التقليدية في المجتمع، هكذا بدأت الأخصائية الاجتماعية “لما” حديثها مع منصة SY24.

تقول “لما”: إن “مجتمع الأرامل مصطلح بات وقعه على الأذن يدق ناقوس الخطر على مستقبل سوريا لم يعد يشمل المرأة التي توفي زوجها فقط، بل تخطاها لتتعدد مشاكل النساء في فقدهن للرجال، فالمرأة التي فقدت زوجها وتعاني من صعوبات معيشة لن تكون لديها المقدرة على توفير تربية جيدة لأولادها”.

وتضيف أنه “على الرغم من محاولة بعض المنظمات الإغاثية الاعتناء بالأرامل ومساعدتهن من خلال دورات تدريب مهني لإحتراف مهنة تسمح لهن بحياة كريمة كي لا يكونوا فريسة للفقر والعوز والحاجة أو عبء على أهلهن، إلا أن مشكلة الأرامل ما زالت تتفاقم مما يدفع المجتمع إلى حلها أحياناً عن طريق الزواج الثاني وتبني فكرة تعدد الزوجات، فصعوبات عدة تعاني منها المرأة مع أيتامها في محيطها الاجتماعي مما يسبب لها الإحباط والعزلة وخصوصاً تلك التي لم يسمح لها أهلها أو القوانين التي تفرضها أنظمة السلطة الحاكمة بحسب المنطقة بالزواج ثانية وليس لديها القدرة على تحمل نفقاتها”.

وزادت قائلة: “لستُ مع تعدّد الزوجات بالمطلق لكنني ضد إيقاع العقوبة بمن يتزوج للمرة الثانية لظروف استثنائية، ويتوجب على المشرع الذي تبنى مثل هذه القوانين إلغائها أو إصدار استثناءات حولها، حفاظاً على البعد الاجتماعي والقانوني لمؤسسة الزواج التي لا بد أن تستمر ضمن هذه الظروف، فالمجتمع حالياً قد لا يتحمل تبعات إصدار مثل هكذا قوانين، كما أن نسبة الفتيات غير المتزوجات كبيرة جداً مقارنةً بالسنوات الأخيرة قبل الأزمة”.

إضافةً إلى القوانين والأعراف التي تنتهك حقوق المرأة باستمرار، أصبحت النساء في شمال شرقي سوريا مجبرات على التعامل مع قانونين للأحوال المدنية صكّتهما جهتان حاكمتان للمنطقة، النظام السوري والإدارة الذاتية، لكنهما لا تعترفان ببعضهما بعضاً ومن الطبيعي ألا تعترف الواحدة بالوثائق الصادرة عن الثانية.

“نيروز” أرملة وأم لطفلين، تقول: “بعد مضيّ شهر على زفافي، جاءت دورية تابعة لقوات الأسايش، وسلمت زوجي بلاغاً للمثول أمام النيابة العامة في مدينة الحسكة، وحين مراجعتنا لهم تم إصدار حكم بسجنه لمدة عام كامل، مع دفعه لغرامة مالية بقيمة 500 ألف ليرة سوريا، إضافة لبلاغ يجبره على تطليقي”.

وتضيف “نيروز”، أن “الظروف المعيشية الصعبة إضافة لنظرة الشفقة الموجهة لي من قبل المجتمع هي من فرضت علي قبولي بفكرة الزواج مرة أخرى، فبعد اختفاء زوجي السابق وضيق الحال لم يعد لي سبيل سوى ذلك، لم أكن اعتقد أن قانون منع تعدد الزوجات مازال ساري، أعمل الآن مع المحامي على دفع الغرامة وبعد خروج زوجي من المعتقل سنقوم بتثبيت صك زواجنا في مناطق النظام”.

أما الناشطة “أفين العلي”، تؤيد قانون منع تعدد الزوجات، وترى أنه مهمٌ نظرًا لـ ”هجرة الشباب وزيادة العنوسة في المنطقة، ما يستدعي تفكير الكثير من الأزواج للارتباط مرة أخرى”.

وأشارت الناشطة إلى أن “المرأة تعرضت على مر العصور للظلم، وآن لهذا القانون أن يحمينا من الظلم والتسلط الذكوري”.

في حين يرى الشاب “هوزان المحمد”، أن “القانون مازال يواجه انتقادات كبيرة رغم مرور سنوات على إصداره، وخاصةً ممن ينظرون إلى الموضوع من زاوية دينية، إذ يتيح الدين الإسلامي التعدّد حتى أربع زوجات بشرط العدل بينهن”.

ويضيف أن “القانون لا يطبق بالشكل المرجو منه، فغالبية المناطق الأخرى الواقعة تحت حكم الإدارة الذاتية ذات طابع عشائري، وتعتبر هذه العادة من الموروث الثقافي، ولا يمكن تجاوزها بسهولة، وخاصة مع التأييد الكبير لها من قبل رجال الدين والشخصيات المجتمعية، كما أن قسمًا كبيرًا من النساء المتقدمات في السن لا يدعمن هذا القرار، فالمسوغات القانونية وحدها غير كافية”.

على الرغم من تعارض هذه القوانين مع العادات والتقاليد المجتمعية في المنطقة الشرقية من سوريا، إلا أن “الإدارة الذاتية” قامت في عام 2014  بإصدار مرسوم تشريعي بغرض تنظيم شؤون المرأة في هذه المناطق، يقتضي بمنع تعدد الزوجات، وإلغاء المهر، ومنع الطلاق بالإرادة المنفردة، والسماح بتنظيم صكوك الزواج مدنياً، والمساواة بالقرار بين المرأة والرجل في مسائل الإرث، وفي الشهادة من حيث القيمة القانونية.

الجدير بالذكر، وفي حالة معاكسة لهذا القانون، أثار تأسيس جمعية “تعدد الزوجات” في منطقة أعزاز شمال سوريا، جدلاً في أوساط السوريين، بسبب الإعلان عن تأسيسها في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية متردية ووضع صحي متدهور في المنطقة، مع اعتبار أنها جمعية تنتهك كرامة المرأة وتستغل حاجتها على عكس ما أعلنت عنه، لتبقى بذلك المرأة في سوريا رهينة لما خلفته الحرب المستمرة حتى الآن.