Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

رسالة إلى أنور رسلان

ياسين الأخرس - SY24

لعلّ بعض الضحايا يجدون السكينة في محاكمة واحدٍ من قائمة طويلة تضم مجرمي الحرب، الذين أذاقوا السوريين الويلات طوال أكثر من عقدٍ على اندلاع الثورة السورية – لا بل عقوداً من حكمِ آل الأسد؛ مغتصبو السلطة وآكلو الدستور. 

حُكم على أنور الرسلان بالسجن مدى الحياة. أعادت العدالة الألمانية إحياء الأمل مجدداً في نفوس السوريين المُثقلة والمُتعبة من الوعود وأكاذيب المجتمع الدولي بغدٍ أفضل وحرية وعدالة للجميع. لن تُعيد محاكمته الضحايا إلى الحياة، ولن تُشفي قلوب أمهات المعتقلين؛ لكنها بالطبع رسالة أن الجرائم لا تسقط بالتقادم. وأكبر مثال على ذلك أن النازيين ما زالوا يُحاكمون إلى اليوم بعد قرنٍ من الزمن، “وربما في نفس المحكمة”، فلمَ لا؟ ستكون المحاكم بانتظار الأسد وأعوانه حتى ولو بعد ألف سنة. 

شاهدت صورة أعتقد أنها التقطت حديثاً لأنور الرسلان بعد سنتين من إجراءات محاكمته لإثبات الأدلة، بدا فيها كأنه كبر في العمر 20 عاماً. سنتان أمضاهما رسلان في سجنٍ دافئ وبوجبات غذاء منتظمة، ومتابعة صحية، ومحامٍ، ومعاملة مرموقة لحقوق الإنسان، بالطبع لا يمكن مقارنة سجنه بالمسالخ البشرية في سجون نظامه. الفرق الوحيد أن رفاقه اليوم في السجن هم فعلاً مُجرمون خطيرون، قتلة، مُتحرشون بالأطفال والنساء، بائعو مخدرات ومن لفّ لفيفهم، مقارنةً بسجون آل الأسد الممتلئة بأناس عاديين بُسطاء، والنخبة المثقفة؛ الأطباء، الحقوقيون، والناشطون السياسيون الحالمون بوطنٍ أفضل ليس لهم فحسب، بل حتى لأبناء رسلان وأحفاده. 

جميعكم أصبحتم تعرفون القصة، لا داعِ لأقول من هو رسلان، لكن باختصار وجّه الادعاء العام اتهامات له بتعذيب أكثر من 4 آلاف معتقل، ومسؤول عن مقتل 58 شخصاً تحت التعذيب، بالإضافة لحالات اغتصاب وعنف جنسي. بالطبع 4 آلاف معتقل – ولا تنسوا الـ 58 قتيلاً، هو رقم مَهول، رغم أن الضحايا لا يُقاسون بالأرقام، لكنه يعطي لمحةً موجزة عن ضبّاط آل الأسد وجلّاديهم، فسوريا تغصّ بآلاف مثل رسلان، وكل واحدٍ منهم يحمل في وزره حكاية آلاف المُعذّبين، إما تحت القبور أو المُشرّدين في أصقاع الأرض، تخيّلوا مثلاً بعض السوريين وصلوا إلى أوروبا عبر القطب الشمالي.. نعم نعم، عبر القطب الشمالي في عام 2015!

قبل أن أبدأ بكتابة هذه التدوينة، حاولت أن أعثر على أول ردٍ من النظام السوري فيما يخص النطق بالحكم على رسلان كي أقوم بأول سبقٍ صحفي، ولم أفلح، وبصراحة لم أكن أتوقع فعلاً أن يرد، فهذا النظام عوّدنا أن يتبرأ من سفّاحيه ويضعف حتى على ذكر اسمهم. فقلت لنفسي لعلّني أجد خبراً في غاية الأهمية عن سقوط فأرٍ من الطابق السادس في الهند دون أن يتأذى لأُسقط هذه المفارقة عن تفاهة الإعلام السوري، لكن جلّ ما حصلت عليه هو 3 أخبار عن موسم الحمضيات نُشرت في الصفحة الرئيسية لـ “وكالة سانا” الرسمية، تخيّلوا: 3 تقارير عن الليمون والبرتقال، بينما أخبار النظام السوري غطّت صحف العالم ومواقع التواصل الاجتماعي. فخطر لي سؤال: ماذا استفاد رسلان من الجرائم التي ارتكبها – وهو في أواخر عمره-؟ لماذا لا يجلس بين أحفاده ويقضي سنواته الأخيرة في أحضان الطبيعة، ويمارس هواية صيد السمك، ويترك ذكرى حلوة عنه أمام أبنائه وذويه. لقد باعه نظام الأسد كما باع وسيبيع غيره، وكل الذين وقفوا في صفّه هم مُجرد أرقام، ولا أجرؤ على أن أقول عنهم ضحايا، فهم قائمون على هذه الجرائم. 

أما عن رسالتي إلى أنور الرسلان: أنت في سجنٍ محترم، ولن تسمع في سجنك الأبدي بعد اليوم صوت تكسير العظام، ولن ترى أجساداً مشوّهة بسجائر الجلّادين، كما أنك لن تسمع صراخ المعتقلين بسبب تعذيبهم بالكهرباء التي لو قمتم بتوفيرها لأنرتم نصف دمشق. لماذا أنت عابس؟  تفاءل واحمد ربك يا رجل أنك لست في سجن أسدي. لعلّ هذا السكون الذي ستعيشه بقية حياتك سيعطيك فرصة للتفكير بما قمت به، ونحن لا نعوّل إلا على العذاب النفسي الذي قد تعيشه، على الرغم من أنني لست متأكداً من أنك نادم أم لا. بكل الأحوال وأنت في سجنك، إذا أصرّيت عليهم ربما يمنحوك وصولاً إلى الإنترنت، جرّب أن تسقط اسمك على “جوجل”، اقرأ ماذا نتحدث عنك، سيطاردك الضحايا حتى في أحلامك، وبالمناسبة لا تنسى أن تتابع أخبار الحمضيات في سوريا. 

أخيراً، ولن أطيل أكثر من ذلك، قرأت تعليقات تُقلل من أهمية الحكم، مثلاً: كنا نتوقّع أن يُحكم عليه بالإعدام، والردود الأخرى: يوجد الآلاف غيره خارج السجون وما زالوا يُمارسون الانتهاكات. للإجابة على السؤال الأول: هذه من أقصى العقوبات التي تطبق في قانون العدل الألماني كباقي أوروبا، كما أنها عقوبة مناسبة جداً، أما الإجابة الثانية أقول لأصدقائي السوريين المقهورين: لا تُسرفوا في تخييب آمالنا، يحق لنا أن نفرح بهذا الحكم، فنحن غرقى ونتعلق بقشة الأمل هذه ريثما نصل إلى محاكمة كل متورط مدينٍ لنا بدمائنا وقهرنا وبؤسنا الذي ملأ شاشات العالم.