Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الخيانة في عرفنا وعرفهم!

الخيانة في عرفنا وعرفهم!

قبل أيام قليلة كان موالاة الأسد يتغنون بالقوة الروسية والإيرانية التي فتكت بالشعب السوري في الغوطة الشرقية، ومن قبلها إدلب وحلب، لدرجة أنهم طربوا على أصوات القصف الجنوني والهستيري الذي طال الملاجئ قبل المنازل.

هم منذ ثمانية أعوام يتغنون بمناصريهم وقوة سلاحهم، وبعد كل مجزرة بحق النساء والأطفال يدقون دفوف النصر ويعلنون إقامة الأفراح والاحتفالات في معسكرات الحلفاء لعدة ليال يعمها الزوار من كبار الساسة والتجار والممثلين وطلاب الجامعات وأعضاء الأحزاب والاتحادات والنقابات المهنية.

المفارقة المضحكة اليوم أن هؤلاء (المنحبكجية) أنفسهم يتهمون معارضي سيدهم بـ “الخيانة العظمى”، والوقوف مع الغريب ضد أبناء الوطن، وهذا بالطبع بعد الحديث عن ضربة عسكرية من قبل الدول الغربية لنظام الأسد رداً على استخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً.

سيل من الشتائم والاتهامات وجهت للمعارضة، فقط لأنها لم تعارض “الهجوم” الذي لم يتجاوز في أحسن حالاته الرد على مجزرة “خان شيخون”، قصفٌ محدود لا يؤثر على النظام وحلفائه شيئا، وهو في صحيح العبارة كمن يعاقب الأداة ويترك الجاني حراً طليقاً. تعاطي جعل بشار الأسد يصبح عاشقا للعبة تجاوز الخطوط الحمر المرسومة، والتي تسمح له استخدام ما شاء من السلاح في قتل الشعب عدا الكيماوي.

لابد في هذا المقام من شرح معنى الخيانة الغائب عن أنصار الأسد، فهي وصمة عار تعلق بجبين كل من يطبل لقوى غريبة تناصر طاغية قتل من أبناء وطنهم مئات الآلاف، كما أنها مباركة ميليشيات طائفية مجرمة حلت محل الجيش وأطلق عليها نظامهم مسمى “القوات الرديفة”، وهي النشوة بطرد أبناء الأرض الحقيقيين بعد أن أثخن بهم من القتل والتشريد ما لا يحمله عقل بشر.

ويبقى المعنى الأكبر للخيانة هو مناصرة طاغية قاتل، دمر ثلثي البلاد وجعلها رهينة بيد روسيا وإيران وميليشيات حزب الله، هذا هو المعنى الحقيقي للخيانة، كما أن هؤلاء (المنحبكجية) بحاجة لشرح معنى الإرهاب الذي اتهموا به من نادى بالحرية والعدالة وحق التغيير الديمقراطي، فالإرهاب يلازم من يستخدم البراميل المتفجرة والصواريخ بحق الأطفال والنساء وشعب أعزل، الإرهاب هو اقتلاع أناس آمنين من أرضهم وديارهم.

الخيانة هي جعل سوريا الشغل الشاغل للقوى الكبرى، ونقطة جذب لجميع الجيوش والميليشيات التي تبحث عن مصالح ومناطق نفوذ، وهي أيضا اتهام ثورة عظيمة بالمؤامرة، ذلك كله كي لا يحصل الشعب على حقه في الحرية حتى لو كلف ذلك الغوص في بحار الدماء.

من التهم الجاهزة التي اعتاد عليها الشعب السوري على مدار نصف قرن (إضعاف الشعور القومي، ووهن عزيمة الأمة، والعمل لحساب دولة خارجية) وضمن قوائم هذه التهم خسر الآلاف حياتهم ظلما، وقضى آخرون عشرات السنين في السجون، في حين باع نظام الأسد ليحافظ على كرسي الحكم أجزاء من الأراضي السورية، وجعل البقية مستباحة للأغراب، فرغم تغنيه بالسيادة الوطنية فإن عشرات الجيوش تتواجد في سوريا، ورغم تغنيه بالمقاومة قصفت إسرائيل عشرات المواقع على مرأى عيونه وعيون حلفائه دون حراك.

لم توحد مأساة أهالي الغوطة الشرقية التي تعرضت لجميع أنواع الإبادة وجرائم الحرب، بدءاً من القصف بشتى أنواع الأسلحة المحرمة ومروراً بالحصار وانتهاء بالتهجير القسري، الشعب السوري، بل كانت هذه المأساة مدعاة للسخرية والتشفي من قبل شركاء الوطن على الضفة الأخرى؛ هذا بكل الأعراف خيانة عظمى، وتستوجب منا تمني التدخل العاجل والحاسم لكل القوى القادرة على لجم السفاحين ووقف جرائمهم.

منذ عام 2011 قسمت الساحة بين موالٍ ومعارض، وأحدثت هوة عميقة بين شرائح المجتمع السوري، بسبب صمت قسم من الشعب عن الجرائم، والتغني بالسفاح ومناصرته على بني قومهم، ولقد كانوا أقسى من المجرم ذاته، وهذا يذكر بقول الشاعر: “ظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهندِ”.