Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

شابة سورية تتحدى الحرب وتنجح بجدارة.. كيف تصنع من المحنة منحة؟

خاص - SY24

حرمها النزوح والتهجير القسري من إكمال دارستها آملة أن تكون طبيبة في المستقبل، بعد أن نجحت في شهادة الثانوية بمجموع عالي، أهلها لدخول أحد الفروع الطبية، وفروع الهندسة والصيدلة، وكان طموحها أن تدرس الطب، وتصبح طبيبة كما توقع لها معلميها في المدرسة. 

“رجاء كنيساوي” 27 عاماً، شابة سورية، من أبناء مدينة دمشق ، سكنت مع عائلتها قبل الثورة السورية بمنطقة “التضامن” ، بعد امتحانات الثانوية العامة، اندلعت اشتباكات عنيفة في “التضامن” أجبرتهم على النزوح إلى الضواحي، وبدأت رحلة العذاب وعدم الاستقرار منذ ذلك الحين. 

ظهرت النتائج، وغطت فرحة رجاء بحصولها على درجات مرتفعة، مرارة النزوح، آملة أن يكلل تعبها بدخولها كلية الطب التي تحب، لكن القصف الذي طال منزلهم و أجبرهم على مغادرة المنطقة حال دون ذلك، وبقي حلم الدراسة حبيس الأحداث، إلى أن غادروا العاصمة باتجاه الشمال السوري. 

تقول في حديثها إلينا، والغصة تأكل كلماتها، “لم يكن إكمال التعليم بالنسبة لي أمراً ثانوياً، بل كان حلما عشت عليه منذ الصغر، تأخر كثيراً حتى تحقق جزءاً منه، ولكني فخورة بذلك النجاح وإن أتى متأخراً”.

سرقتها الحياة مرة أخرى بين أمور الزواج والبدء بحياة جديدة في إدلب، والنزوح من منطقة إلى أخرى إلى أن استقر بها الحال مع زوجها وطفليها في مخيمات الشمال، وهنا فقدت رجاء خمس سنوات من عمرها بانتظار العودة إلى مقاعد الدراسة، إذ أن من المفترض أن تكون على أبواب التخرج. 

“رجاء” واحدة من آلاف الشابات اللواتي اعترضت طريق طموحهن في التحصيل العلمي، الصواريخ والقذائف الحربية التي طالت المدنيين في المحافظات السورية، عقب ثورة 2011، إذ حرم النظام حينها آلاف الطلاب من متابعة تعليمهم الجامعي، بل اعتقل مئات الطلاب والطالبات الذين شاركوا بالحراك السلمي بداية الأحداث، فخوف والد “رجاء” عليها وعلى أخواتها، جعله يفضل تركها التعليم على المتابعة حتى لا تتعرض للاعتقال كما حدث مع طالبات كثر. 

عانت عائلة الشابة ظروفاً معيشة صعبة، منعتها من التسجيل في جامعات إدلب بسبب ارتفاع أقساط التسجيل، وعدم قدرتها على تأمين كافة مستلزمات الدراسة، تقول لنا: “كان تأمين الحليب لأطفال أهم من كل أحلامي” وأثرت تربية أطفالها وتأمين حاجياتهم على حساب إكمال دراستها، واستسلمت للقدر، بانتظار فرصة أو معجزة حسب قولها، تعيدها إلى مقاعد الدراسة مجدداً.

“لاشيء يقف أمام الطموح” تقول “رجاء”: إن الحياة ابتسمت لها من جديدة بداية عام 2017، حيث علمت بوجود منحة من أكاديمية العلوم الصحية في منطقة سكنها شمالي إدلب، تختص بالأفرع العلمية، منها طب الطوارئ وكان مخصص للذكور فقط ، وفرع التمريض وفرع العلاج الفيزيائي، الذي اختارته بسبب اكتمال عدد طلاب التمريض. 

بعد عامين من الدراسة، تخرجت “رجاء” من المعهد بدرجة امتياز وكانت الأولى على دفعتها، رغم وجودها كأم وزوجة في المنزل إلى أنها تحدت جميع الظروف في تحقيق أول درجات طموحها، ومنذ ثلاثة أعوام تعمل بشكل تطوعي في مراكز العلاج الفيزيائي، وقد اكتسبت خبرة كبيرة في هذا المجال، ولم يثنيها ظروفها المادية الصعبة على البحث عن عمل آخر ذات مردود مادي أفضل، بسبب حبها لهذا المجال الإنساني تخبرنا أنها تشعر بسعادة كبيرة عندما تساعد المرضى من الأطفال والنساء على استعادة عافيتهم، ولا سيما أن عدداً كبيراً الأهالي في الشمال السوري قد تعرضوا لإصابات حربية افقدتهم أحد أطرافهم أو كليهما، و أصبحوا بحاجة للعلاج الفيزيائي لتحسين حالتهم الجسدية والتغلب على الإعاقات التي خلفتها الحرب. 

رجاء واحدة من النساء السوريات القويات، اللواتي يضعن هدفا إنسانياً أمام أعينهن، ويبذلن جهداً في تحقيق ما عزمنا عليه، رغم الظروف المعيشية الصعبة التي تحيط بهن.