Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

“أجساد صغيرة وحمل ثقيل”.. عمالة الفتيات الصغيرات شمالي إدلب

خاص - SY24

ترافق الطفلة “وئام” 10 أعوام، أمها في ورش قطاف الزيتون منذ بداية الموسم، وهي على هذه الحال منذ شهر تشرين الأول، إذ تتنقل مع باقي العاملات والنسوة بين عدة حقول وأراضي شمالي إدلب، لمساعدة والدتها في العمل، وهناك فتيات أخريات لا تتجاوز أعمارهن 15 يعملون في الورش أيضاً.

تقول والدة “وئام”، نازحة من ريف حماه، أنها تعيل أطفالها الخمسة من خلال عملها في الأراضي، منذ وفاة زوجها بقصف طال منزلهم قبل للنزوح، إذ باتت تعمل في الأراضي الزراعية، مثل قطاف الزيتون و حصاد مواسم الخضار صيفاً، أو تعشيب الحقول، وهي مستعدة للعمل طيلة أيام السنة لتأمين لقمة العيش لعائلته.

كذلك تلجأ كثيرات مثل “وئام” وأمها إلى العمل ضمن ورش نسائية، تنطلق في الصباح الباكر، وتعود قبل غياب الشمس، وهنا تجد الفتيات الصغيرات أيضاً مكان لهن في الحقول، بل أصبح عدد منهن أمثال وئام عاملة أساسية، تبذل جهداً مضاعفاً في كل مرة، وتقضي يومها في العمل إلى أن تعود للمنزل، تخبرنا أنها في كل ورشة عمل جديدة، تتعرف على صديقات من عمرها، يعملن معاً، ويقضين الوقت برفقة أمهاتهن.

من المفترض أن تكون “وئام” اليوم على مقعد الدراسة في الصف الرابع، مثل باقي الأطفال، إلى أنها لم تدخل يوماً المدرسة ولم تمسك قلما، تقول لنا بلهجتها المحكية :”بحب روح عالمدرسة، بس هي بعيدة عن مخيمنا، وأنا لازم أساعد أمي وإخواتي، ياريت فيني أعرف اكتب اسمي وأقرأ”.

أصبح حلم الدراسة بعيد المنال عن “وئام” وكثيرات مثل جالها، اللواتي شغلتهن هموم الحياة مبكراً قبل أن يعيش طفولتهن بين الأقلام والدفاتر، اذ كشفت منظمة وحدة تنسيق الدعم “ACU” بالتشارك مع 22 منظمة عاملة شمال غرب سوريا، عن عدد الأطفال المتسربين من المدارس، من خلال دراسة لها جرت في شهر آذار من العام الجاري، والذي بلغ عددهم 450,835,1 طفلاً،  44 بالمئة منهم خارج المدرسة، أي ما يعادل 518,815  قسماً لم يلتحقوا بالمدرسة مطلقاً والقسم الآخر انقطعوا عنها بعد التحاقهم بفترة قصيرة.

لا تعني هذه الأرقام والإحصائيات كثيراً للطفلة “وئام”، فهي منشغلة بالتقاط حبات الزيتون الواقعة على الأرض بيديها الصغيرتين، تحكي انا أنها تسارع في ملئ كيسها قبل الأخريات، وتنتقل من شجرة إلى أخرى بخفة ورشاقة وتقضي وقتها وهي جاثية على ركبتيها أو حانية ضهرها لإكمال مهمتها.

كثير من الفتيات الصغيرات كنّا ضحايا الحروب والنزوح والتهجير حرمن حقهن في التعليم التعليم، وأصبحن عاملات يسعين وراء لقمة العيش لمساعدة أسرهن، إما لفقد المعيل في الحرب، أو لشدة الفقر والأوضاع المعيشية المتردية.

في تقرير سابق لـ منصتنا، قالت “أحلام الرشيد” ناشطة إنسانية ومسؤولة في لجنة حماية الطفل التطوعية، إن “ظاهرة عمالة الأطفال هي جريمة بحق الطفولة، وتنتهك حقوقهم في التعليم والصحة واللعب كباقي الأطفال في العالم، وهذا الأمر يترك أثراً نفسياً سيئاً لدى الطفل كما قد يتعرض لخطر التحرش والاعتداء الجسدي و حوادث السير”.

وتضيف “الرشيد”، أن “الأطفال في الشوارع ذكوراً وإناثاً هم أكثر عرضة للمشاكل الصحيّة بسبب قضاء معظم أوقاتهم تحت أشعة الشمس في فصل الصيف، أمّا في فصل الشتاء فيُعانون من أمراض الجهاز التنفسي”.

لم يعد مشهد وجود فتيات صغيرات يجبن الشوارع، حاملين في أيديهن الصغيرة علب بسكويت أو مناديل ورقية، ابيعها للمارة، لتحصيل بضع ليرات آخر النهار، تعيين أسرهن على متطلبات الحياة.

أمام الدوار الكبير في مدينة سرمدا تقف “نجلاء” 9 أعوام، و”حياة” 11 عام تجمعهما قرابة وصحبة، تحمل إحداها علبة بسكوت والأخرى علبة مناديل ورقية، تعرضان بضاعتهما القليلة على المارة وطلاب المدارس والجامعات، فهما تنطلقان إلى الشارع بكراً، مع موعد المدارس.

تقول “نجلاء” لدى سؤالنا عن سبب عدم ذهابها للمدرسة مثل باقي الأطفال،: إنها “تساعد أمها في مصروف المنزل لأن إخوتها الصغار، ووالدها متوفى منذ زمن، بينما تجمع “حياة”  ما تجنيه من بيع المحارم لشراء دواء لأخيها المريض كما أخبرتنا.

تشكل ظاهرة “عمالة الأطفال” واحدة من أخطر الظواهر التي أفرزتها الحرب، وسبب في تسرب آلاف الطلاب من مدارسهم، واللجوء إلى سوق العمل في مختلف الأعمال التي لا تناسب بنيتهم الجسدية، فيما اختار قسم كبير منهم النزول إلى الشارع و امتهان أي عمل كـ البيع أو تنظيف السيارات، وغيرها من المهن الشاقة التي بدأت آثارها السلبية تطفو على السطح.