Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

ما الذي يجعل أسواق البالة ملاذاً للسوريين في الشتاء؟ 

خاص - SY24

تلجأ شريحة واسعة من الأهالي في مختلف المناطق السورية، إلى المحلات التجارية المخصصة لبيع ألبسة البالة، وتقصد البازارات، وبسطات الألبسة المستعملة، والمحلات الشعبية، التي تجذب الزبائن بسبب انخفاض أسعارها مقارنة بالألبسة الجديدة في الأسواق.

فتدني القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، والغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق لكافة الأصناف والمواد والسلع وكذلك الثياب والأحذية، وعدم تناسبها مع دخل الفرد، أجبر كثير منهم، على قصد أسواق البالة وشراء حاجياتهم منها، وتتنوع الآراء بين رضى البعض عن نوعية وسعر مايشتري، وبين من يشتري رغماً كنوع من التأقلم مع ظروفه المعيشية والاقتصادية.

في أحد محلات بيع ألبسة البالة الأوربية، بمدينة إدلب شمال سوريا، تلتف عدة نسوة أمام سلة كبيرة، لاختيار القطع المناسبة لهن ولأطفالهن، بعد أن علق صاحب المتجر ورقة تدل على سعر القطعة، مكتوب عليها “اي قطعة بـ 15  ليرة تركي”، أي أقل من دولار واحد، هو عرض مغري لأمهات لا قدرة لديهن على شراء القطعة من السوق الجديدة ولاسيما أن أي قطعة لايقل ثمنها عن خمسين ليرة تركية أي حوالي 3 دولار.

بعد معركة من البحث والنبش بين أكوام الثياب، حصلت “ولاء” 33 عام، مهجرة من ريف دمشق إلى الشمال السوري، على قطع جميلة ومناسبة لأطفالها حسب قولها، تخبرنا في حديثها إلينا إنها “تقصد محلات البالة لشراء كسوة لعائلتها، وتستطيع بمبلغ 150 ليرة أن تكسو أطفالها الأربعة في حال لايكفِ هذا السعر لشراء كنزة صوف جديدة من السوق.

يؤكد “أبو عبدو” تاجر وصاحب المحل بيع ألبسة البالة في إدلب، أن “مع فصل الشتاء يزداد إقبال الزبائن على شراء الملابس المستعملة، ويعد موسم لبيع ملابس الأطفال والنساء من مختلف الألبسة الشتوية ولاسيما (الجاكيت) والأحذية”.

ويضيف في حديثه إلى مراسلتنا، أن “الوضع المعيشي والاقتصادي للأهالي، جعلهم يفضلون البالة، ويقصدون المحلات والبازارات الشعبية، إذ بإمكانهم الحصول على قطع ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة”.

وعن آلية استيراد ملابس البالة يخبرنا التاجر “أبو عبدو” أن الملابس تستورد في “ربطات” وزنها فوق الخمسين كيلو، تأتي معبأة في حاويات كبيرة، ثم تفرز حسب جودتها إلى نخب أول وثاني وثالث، مؤكداً أن كل نوع بياع بسعر مختلف، فالقطع ذات النخب الأول تباع بسعر أعلى من باقي القطع، لتحمل خسارة باقي الأنواع، وهناك ما هو مخصص للحرق يشتريه بعض الأشخاص بالوزن لاستخدامه في التدفئة شتاءً”.

لا يختلف المشهد كثيراً في العاصمة دمشق وريفها، إذ أن أسواق الملابس الجديدة تشهد أسعاراً ملتهبة، وسط إقبال ضعيف من الأهالي على الشراء، لاسيما الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، فارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية لديهم، جعلت قسماً كبيراً منهم يتخلى عن فكرة شراء ملابس جديدة هذا العام، والبحث عن بدائل أخرى أقل تكلفة، مثل شراء الملابس من البالة، أو إعادة تدوير الملابس القديمة في محلات الخياطة.

هذا ما أكدته المعلمة “نورة” 27 عام، في حديثها إلينا، إذ باتت تعتمد على ألبسة البالة منذ سنوات، فراتبها الشهري الذي لا يتعدى 120 ألف ليرة سورية، أي حوالي 20 دولار، لا يكفي لشراء قطعة ثياب واحدة من المحلات التجارية في الأسواق.

حال الشابة “نورة” يحاكي حال معظم العوائل في دمشق، بل هناك من لايجد قوت يومه وتخلى عن كسوة الملابس منذ زمن، ولا سيما أن المنطقة تمر بأزمات اقتصادية ومعيشية خانقة أرخت بثقلها على الأهالي وذوي الدخل المحدود، إذ قدرت الأمم المتحدة عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، مشيرةً إلى أن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم، ولاسيما في مناطق سيطرة النظام التي تشهد ارتفاعاً كبيراً بالأسعار وتدني في مستوى الدخل.

في جولة سابقة لمراسلنا في الأسواق العاصمة، رصد أسعار عدد من قطع ملابس الأطفال، تبين أن سعر “الجاكيت الولادي” بين 50 إلى 60 ألف ليرة، وثمن كنزة من الصوف  من الجودة المتوسطة، 30 _40 ألف ليرة، أما أسعار “البيجامات” فقد تراوحت بين 35 إلى 50 ألف ليرة، و بلغ سعر الحذاء من 35 إلى 65 حسب جودته، و”طاقية” الصوف للأطفال 7 آلاف، و”الجربات” 3 آلاف ليرة سورية، أي أن كسوة طفل واحد تبلغ 200 ألف ليرة بأقل الأحوال وهو مبلغ يفوق أجرة عامل المياومة، والموظفين وذات الدخل المحدود.

إذ تجد شريحة من المواطنين السوريين في مختلف المحافظات بألبسة البالة، حلاً يتماشى مع وضعهم المعيشي في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار، بالوقت الذي أصبحت كسوة عائلة من خمس أشخاص، تتراوح بين خمسين إلى مئة دولار ثمن ملابس جديدة، ناهيك عن باقي مستلزمات الحياة.

ووفق تقرير صدر عن “فريق منسقو استجابة سورية” في شهر أيلول الماضي من العام الجاري، رصد ارتفاع معدل الفقر إلى نسبة مرتفعة جداً بلغت 87 في المئة، بينما ارتفعت معدلات البطالة نحو 85 في المئة وفق التقرير، في الوقت الذي حاول فيه الملايين في المنطقة بلوغ حياة أفضل.