Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الموت تحت التعذيب خارج سجون الأسد!

بالتزامن مع أول صرخة هتفت لسورية لا لوريثها، ولشعبها لا لمالكها، بدأ تاريخ الهولوكوست السوري، فتلك الصرخة التي طالبت بالحرية، اعتبرها الوريث القاتل اختراقاً غير مسبوق للتابوه الذي فُرض على السوريين طيلة فترة الاحتلال الأسدي لسورية، والذي يمنع تقديس الوطن ويستبدله بتقديس “سيد الوطن”.
كانت خطط المحرقة وأدواتها جاهزة، فخلال سنين حكم الأب والوريث، لم يفعل المجرمان شيئاً سوى التحضير والجهوزية التامة لمواجهة أي فعل ينتصر للوطن وليس لحاكمه، وقد تمت صناعة الخطط السياسية والعسكرية للرد على أي تهديد للذات الرئاسية ولو اقتضى الأمر حرق الوطن بما فيه ومن فيه، تماماً كما حدث في سورية.
وفي مواجهة تلك المحرقة، كان الخروج من سورية أحد الخيارات الإجبارية التي واجهت الملايين من السوريين في ظل استحالة العمل الوطني من الداخل، فكل من قرر أن يساهم في الثورة، أو حتى التعاطف معها، كان عليه أن ينتظر القتل أو الاعتقال، ومن هنا كان الخروج هو الحل الوحيد المتبقي للمساهمة في الثورة دون أن يفقد السوري حياته من أجل كلمة أو موقف.
لم يغادر أحد ممن شاكوا في الثورة بلده إلا وهو واثق بالعودة إليها خالية من عصابات الإجرام والقتل ومنظومة الفساد المتفشية كالسرطان في جسد سورية من أقصاها إلى أقصاها نتيجة اعتماد العصابة الحاكمة تلك المنظومة كمرجع قانوني وحيد يحكم الناس ويتحكم بهم.
لم يغادر السوريون بلدهم لكي يستقروا في دول اللجوء أو في مخيمات اللجوء أو يعيشوا على المعونات والمساعدات ويكونوا عالة على جيرانهم أو باقي دول العالم.
لم يغادر السوريون بلدهم تاركين أرضهم ومنازلهم وأعمالهم وممتلكاتهم وأهلهم وذويهم للفوز بشرف اللجوء واستحقاق لقب لاجئ، فكل من قرر الخروج، كان على ثقة بأن فترة غيابه عن البلد لن تتعدى شهوراً، قبل أن يعود إلى سورية أخرى لا تملكها عائلة بعينها ولا يحكمها الفساد والإجرام.

لم يغادر السوريون بلدهم تاركين أرضهم ومنازلهم وأعمالهم وممتلكاتهم وأهلهم وذويهم للفوز بشرف اللجوء واستحقاق لقب لاجئ، فكل من قرر الخروج، كان على ثقة بأن فترة غيابه عن البلد لن تتعدى شهوراً، قبل أن يعود إلى سورية أخرى لا تملكها عائلة بعينها ولا يحكمها الفساد والإجرام.

غادر السوريون الحالمون ببلد أفضل حينما لم يعد حتى الصمت ممكناً في مملكة الأسد المرعبة، فعلى كل من يرغب بالبقاء دفع جزية معنوية أقلها تمجيد الوريث القاصر والهتاف له وفداؤه بالروح والدم.
غادر السوريون سورية وهم على أتم الثقة بأن العالم المتحضر، العالم المتحرر، العالم المناصر للحرية وحقوق الإنسان، لن يقبل بوجود هذا النوع من المجرمين على شاكلة الأسد، وكانت الجرائم التي اركتبها الأخير في الأشهر الأولى للثورة كفيلة بإثارة العالم برمته ضده، وهو ما حدث فعلاً على مستوى التصريحات وبعض العقوبات الإجرائية التي اعتقد السوريون بداية أنها ستتطور إلى تحالف عسكري كبير -إن اقتضى الأمر- يفضي بالنهاية إلى القضاء على نظام الأسد بالقوة، إن لم يكن انتصاراً للشعب السوري، فهو على الأقل للتخلص من عار الإبقاء على المجرم طليقاً دون عقاب.
وبالقياس إلى أي حدث تاريخي مشابه.-رغم فرادة الحدث السوري-، كان انتصار العدالة إحدى المسلمات التي دفعت بالسوريين إلى ما اعتقدوه هجرة مؤقتة بالاحتكام إلى كل أنواع المنطق، فالعدالة تقضي بزوال السفاح ومحاكمته كنهاية حتمية لكل القتلة والمجرمين.
لم يخطر ببال السوريين، ولا حتى ببال أي إنسان على مستوى المعمورة، أن يتساهل المجتمع الدولي مع جرائم بحجم تلك التي تم ارتكابها في سورية من قبل سفاحها، ومن هنا كانت الثقة بالعودة مرتبطة بالثقة بعدالة القضية وبوضوح الجريمة.
غير أن كل تلك التوقعات باءت بخيبة الأمل إلى ما هو أبعد من مساحة الصدمة، فالمجتمع الدولي الذي عول عليه السوريون، لم يقف عند حدود الصمت أو التواطئ، بل ذهب بعيداً جداً ووصل لاحقاً إلى حدود إدانة الضحية وليس فقط تبرئة القاتل، بل والعمل على تظهيره كبطل، ومطالبة الضحايا بالاعتذار لجلادهم، والقبول به إلهاً بعد أن رفضوه رئيساً.
بات على السوريين من أصحاب الهم الوطني الصرف، وخصوصاً أصحاب التوجه العلماني، أن يثبتوا أنهم لا ينتمون للتيارات الإرهابية، أصبح أولئك الذين طالبوا بالحرية لبلدهم ولشعبهم متهمين في بلاد الحرية، وأقصى ما يمكن أن تقدمه لهم تلك البلدان هو حق العيش، قبل أن تأتي التهديدات تباعاً من العنصريين واليمين المتطرف بالانتقام منهم لمجرد أنهم خصوم للأسد.
وهكذا بدأت الأصوات تختنق في حناجرها، وإن أتيح لها الهتاف والصراخ عالياً فهي لا تجد أذناً صاغية، أو حتى الحد الأدنى من التعاطف، ناهيك عن نزعات الإدانة المعلنة والخفية والتهديدات التي تنال كل من بقي قابضاً على جمر الثورة.
وتحولت بلدان اللجوء تلقائياً سجوناً ومعتقلات يقضي فيها الكثير من الوطنيين تحت التعذيب النفسي الذي يمارسه جلادو السياسة العالمية.
هكذا ماتت مي سكاف، وقبلها فدوى سليمان، وما بينهما الكثير من الأسماء التي لم تنل نصيباً من الشهرة فقضت بصمت وعزلة، ولا تزال طريق الموت تحت التعذيب النفسي في المعتقلات الخارجية معبدة وجاهزة لالتهام المزيد من القامات الوطنية لتقضي بسلاح القهر الذي يشارك العالم برمته،- بما فيه العالم الحر والمتحضر-
بصناعته وإنتاجه خصيصاً للسوريين، لخنقهم والحيلولة دونهم ودون حلمهم الذي بذلوا الغالي والنفيس وضحوا بكل شيء من أجل الوصول إليه.