Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

ضربتكم إسرائيل.. أُدْبُكوا

صحيح أنني معارض، وأحياناً أكون ثائراً، وأقيم في بلاد لا تريد الخير لوريث حافظ الأسد وجماعته؛ إلا أنني شديد التعاطف مع أبناء بلدي السوريين، بمختلف فئاتهم: المعارضين و(المؤيدين)، وجماعة الله يختار الخير، ويطفيها بنوره، ويتلطف بعباده..

لا شك أن إعلاني التعاطف مع فئة (مؤيدي النظام المجرم) سيفتح عليّ أبواب جهنم من طرف الجماعة الذين نقف أنا وإياهم -نظرياً- في خندق واحد، وسوف ينبري لي أحدُ الثوار الأشداء (أستعير مصطلح “ينبري” من المذيع المتمكن إياد الناصر)، ويقول لي إن حالتك الثورية، يا سيد بدلة، مشكوك بها، فأنت، أساساً، من معارضة الفنادق.. صحيح أنك استقلتَ من الائتلاف، ولكننا كنا نراك في اجتماعاته، جالساً في قاعات مكيفة بفنادق خمس نجوم، وتتناول الأطعمة الفاخرة، بينما شعبُنا الباسل (أستعير مصطلح “الباسل” من المحلل الاستراتيجي المعطاء بسام أبو عبد الله) يذوق المر والأمرين في مخيمات اللجوء، وعلى حدود دول الإقليم التي ترفض استقباله.. وينبري ثائرٌ آخر، للثائر الذي انبرى لي في البداية، ويقول له: أنا قرأت القائمة التي أعدها المجاهدُ الإعلامي الكبير “أحمد كامل”، وفيها أسماء معارضين متخاذلين مرشحين للعودة إلى حضن الوطن، وبرأيي أن الأخ المجاهد أحمد كامل قد فاته وضع اسم هذا الرجل المتعاطف مع (مؤيدي النظام المجرم) بينهم، بل إنه من المرجح أن يعود قبلهم.

مع ارتفاع معدل الحالة الثورية والجهادية لدى إخوتي في الخندق، وحَصْرهم إيايَ في “خانة اليك”، أجدني مضطراً لتسويغ موقفي، وإجلاء الدوافع والنوازع التي أدت بي إلى إطلاق مثل هذا التصريح الاستفزازي، فأقول لهم، أنا، يا إخوتي الأعزاء، أساساً، من هواة الدبكة، أتكلم جاداً والله العظيم غير ممازح.. وفي ذات مرة، قبل عقد ونيف من الزمان، كنتُ في أحد استوديوهات إذاعة دمشق، برفقة الإعلامي الراحل نذير عقيل، نتحاور على الهواء في موضوع الأدب الساخر والفنون الساخرة، وكان الشيء الطبيعي أن يقودنا الحديث إلى الفنان زياد الرحباني الذي أعتبره أنا معلم المعلمين في مجال السخرية، ولكن زياد، برأيي، قبل أن يكون ساخراً، موسيقار عظيم متمكن من فنون الغناء والتلحين جميعها، والسمة الأساسية لفنه هي التمرد، والمغامرة، والسعي لإفساد القوالب الفنية المنجزة قبله، بدليل أغنية “يا جبل الشيخ” التي لحنها للسيدة فيروز، فمع أنها مصنفة في خانة الأغاني الوطنية، إلا أن الإنسان، بمجرد ما يسمع مقدمتها، يجد نفسه مندفعاً للدبكة..

عند هذه العبارة، انتقل مخرج اللقاء إلى فاصل، هو عبارة عن مقدمة “جبل الشيخ” التي تحدثتُ عنها، وإذا بنا، نذير عقيل وأنا، نقوم للدبكة معاً، بلا تفكير، وحينما انتهى الفاصل التفتُّ نحو الكونترول فوجدت المخرج والشباب والصبايا الذين يساعدونه “فرطانين” من الضحك!

إخوتنا المصريون، إذا أرادوا التحدث عن مصاحبة الهواية للإنسان طيلة عمره، يقولون: بيموت الزمار وإصبعه بيلعب. وهذا أنا، ومع تقدمي بالسن، بقيت أحبُّ الدبكة، وأتعاطف مع الناس الذين يدبكون، ولذلك سارعت إلى إبداء إعجابي بـ (مؤيدي النظام المجرم) حينما شاهدتهم يدبكون، في الساحات العامة، صبيحة الضربة الصاروخية الغادرة التي وجهتها الدول الثلاث العظمى أميركا وبريطانيا وفرنسا لمعامل صنع السلاح الكيماوي في سورية، وازداد إعجابي بهم أكثر حينما اندفعوا يهنئون بعضهم بعضاً بالنصر، الشاب يبوس الصبية، ويقول لها: مبروك النصر يا رفيقة، وهي ترد عليه: مبروك النصر يا رفيق.. وهذه مناسبة لأن أعترف لكم بنقطة ضعف أخرى موجودة في شخصيتي، وهي أنني مولع بهذا النوع من (التبويس)!

ومضت الأيام، بنهاراتها ولياليها، وأنا أراقب المحطات التلفزيونية التابعة لنظام ابن حافظ الأسد، وكلي اعتقاد بأن إخوتنا المؤيدين سيعقدون حلقات الدبكة كلما تعرض أحد مواقع النظام العسكرية للقصف، إلى أن استيقظتُ، ذات صباح، ونظرتُ إلى شاشة موبايلي الذي اعتدتُ أن أضعه أثناء النوم على الصامت، وإذا بمجموعات الواتس أب التي أشترك بها قد سجلت عليها عشرات الرسائل الفائتة، فتحتُها وباشرت قراءة الأخبار، وإذا بإسرائيل (أو: الكيان الصهيوني الغادر على حد تعبير المناضل المفوه خالد العبود)، لاعنة سنسفيل مواقع النظام، وفاعلة ومو تاركة بالمواقع التابعة لآية الله خامنئي المتمركزة حول المدن السورية.. فهرعتُ إلى الغرفة الأخرى، وفتحت التلفزيون، ورحت أقلب من محطة إلى محطة، فلم أجد أحداً يدبك.. ذهبت إلى صفحات بعض المناضلين المحسوبين على معارضة الداخل وإذا بهم يفترضون بأننا، نحن عملاءَ الخارج، متعاطفون مع الضربة الإسرائيلية، ويلوموننا بسبب هذا التعاطف المفترض..

لم أعبأ بهم، وبآرائهم، لأن تفكيري، كما تتوقعون، منحصر بموضوع الدبكة، وتوجهت من توي إلى صديق (مؤيد للنظام المجرم)، وكتبتُ له، على الخاص:
ممكن أعرف السبب اللي خلاكم تدبكوا في المرة الماضية، وتمتنعوا عن الدبكة هذه المرة؟..
فرد علي باقتضاب: لأن الضرب، يا أبو الخطوب، هذه المرة، مو ضرب أصحاب!