Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

عاشق القائد التاريخي مداح القمر

الكلام الفارغ الذي كان الأشخاص المتكسبون يقولونه في مديح حافظ الأسد لا علاقة له بشعر، أو بنثر، أو بأدب، أو بثقافة، ومع ذلك كانوا يسمونه شعراً، ويطبعونه في دواوين، ويبيعون الدواوين للمواطنين، على نحو إجباري، عند أبواب ملاعب كرة القدم، أو في فروع مؤسسة “عمران” التي تبيع الأخشاب، والحديد المبروم، والشمينتو للمواطنين. والواحد منهم يتحدث بكل جدية إلى أصدقائه أو أهله قائلاً:
– والله مبارح كتبت قصيدة عن السيد الرئيس!
أو يقول، متلمظاً كما لو أنه تناول أكلة رز وملوخية بالدجاج من مطبوخات زوجته الماهرة:
– كتبت لكم قصيدة عن السيد الرئيس، أما شو قصيدة؟ أممممم.. شي أبهة!
ولولا بقايا حياء لأضاف: قصيدة تؤكل الأصابع وراءها!

حكى لنا بعض الأصدقاء حكاية عن واحد من هؤلاء الشعراء العلاكين، ملخصها أن التلفزيون السوري أعلن، في ذات سنة، عن مسابقة لتعيين مذيعين، فَتَمَثَّلَ قولَ طرفة ابن العبد (إذا القوم قالوا من فتىً خلتُ أنني عُنِيْتُ فلم أكسل ولم أتبلدِ).. ولم يكسل هو، ولم يتبلد، بل ذهب إلى ديوان الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وتقدم، ضمن المهلة القانونية، بطلب أصولي ملصق عليه الطوابع المالية اللازمة..

وفي يوم فحص المقابلة حمل من القصائد التي كتبها في مديح حافظ ما يكفي لإحماء تنور من تلك التنانير التي تبيع فطائر السبانخ والخبز بفليفلة على طريق غابات الفرنلق في موسم الاصطياف، وعندما بدأ أعضاء اللجنة بتوجيه الأسئلة إليه، لم يكن يهاب، أو يتلجلج، أو يتلكأ، بل على العكس، كان (يطحش) عليهم، ويحصرهم في (خانة اليك)، فحين سأله أحد أعضاء اللجنة عن شهاداته العلمية، أبرز له، على الفور، القصيدة التي ألقاها في مديح السيد الرئيس حافظ الأسد بعد انتصاره التاريخي على سكان حماة في سنة (1982)، وإذ سأله عضو آخر عن خبراته في العمل بصفة مذيع تلفزيوني، قدم له القصيدة التي يثني فيها على شجاعة القائد حافظ الأسد التي تمثلت بموافقته على المشاركة إلى جانب أميركا في الحرب على العراق (1991)، فلو كان قائداً صغيراً، تافهاً، كما جاء في القصيدة، لتذرع بالعروبة والإسلام والخوف على المدنيين العراقيين، وقال للأميركان:
– لا أشارك. شوفوا غيري!

وبلغت المقابلة ذروتها حينما سأله رئيس اللجنة عن الآلية الصحيحة التي يجب على المذيع اتباعها في قراءة الأخبار، وكيفية تعامله مع (مخارج الحروف)، وما هو الفارق بين قراءة النشرة الأخبارية وتقديم البرامج الثقافية، فقال له ضاحكاً:
– أَلِمِثْلِي يوجه هذا السؤال؟ اعلم، يا أخا العرب، أن الحد الأدنى مما نمتلكه نحن الشعراء الفطاحل هو الإلقاء، والاعتناء بمخارج الحروف، وضبط الإيقاعات..

ولكي يؤكد على مصداقية كلامه نتر ورقة أكبر من ملحفة اللحاف، وراح يقرأ على اللجنة، القصيدة المؤلفة من تسعين بيتاً التي قالها في رثاء الفارس الذهبي المغوار الرائد الركن المظلي باسل الأسد الذي استشهد بسرعة 280 كيلومتر في الساعة على طريق المطار (1994)!

ولكي يؤكد على مصداقية كلامه نتر ورقة أكبر من ملحفة اللحاف، وراح يقرأ على اللجنة، القصيدة المؤلفة من تسعين بيتاً التي قالها في رثاء الفارس الذهبي المغوار الرائد الركن المظلي باسل الأسد الذي استشهد بسرعة 280 كيلومتر في الساعة على طريق المطار (1994)!

وأثناء القراءة راح يعتني بالتقطيع، والإيقاع، ويركز على مخارج الحروف، ومط الحرف ما قبل حرف القافية، ثم الوقوف بشكل مفاجئ على حرف الروي (القافية).

ولأن القافية كانت حرف الفاء، وبسبب الوقوف المفاجئ، كان يتف من فمه رذاذاً، يضطر أعضاء اللجنة إلى اتقائه بأيديهم!

ما لكم بكثرة الشرح؟ إن اللجنة المسكينة التي اضطرت لفحص هذا البني آدم تنفست الصعداء عندما خرج من القاعة، وكتبوا، في آن واحد، على سجل التقويم (راسب)، وهمس أحدهم لزملائه، إنه يتمنى لو أن نظام الاختبار يسمح للجنة الفاحصة برفعه فلقة على البيعة..

ويا ليته لم يقل هذا، لأن قرارهم بخصوصه، في المحصلة، تغير، وتصدر اسم الشاعر المذكور قائمة الناجحين، وكان ذلك بناء على توجيهات حكيمة وردت إلى المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من جهات عليا.