Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

نفق أستانا وأنشوطة الحل السياسي

حديث الدكتور “أحمد طعمة” الرئيس السابق للحكومة المؤقتة المنبثقة عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة لتلفزيون روسيا ( RT ) عن الجولة التاسعة من مفاوضات أستانا المتعلقة بالصراع في سورية، وعليها يحمل كثيراً من المغالطات السياسية والقراءة الخاطئة لطبيعة الصراع في سورية داخلياً وإقليمياً ودولياً.

فالدكتور طعمة لم يبيّن العلاقة بين الثورة السورية كضرورة تاريخية لتطور الشعب والدولة السوريين وبين الدور المناقض للتطور الذي لعبه ولا يزال يلعبه النظام الأسدي، فهو قرأ هذه العلاقة الصراعية من سطحها ولم يُشر إلى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المولّدة لها، وتغافل عن رؤية دور بعض دول الإقليم سواءً في الخليج أم في الجوار السوري في تغيير مسار الثورة وتحويل أجندتها الرئيسية المتمثلة بالحريات والكرامة الانسانية وبناء الديمقراطية إلى أجندات أخرى تخدم مصالح تلك الدول.

هذا التغافل أضاف عليه الدكتور “طعمة” تغافلاً آخر يتعلق بحقيقة دوافع التدخل الروسي أو غيرها من التدخلات في ملف الصراع السوري، هذا التغافل يأتي على قاعدة خدمة فكرة يؤمن بها الدكتور طعمة ومن يتبع ذات نهجه ورؤيته والتي تقول ما دمت لا تحمل أساساً برنامجاً وطنياً حقيقياً للتغيير الديمقراطي وتستند في حركتك على أجندات الآخرين من خارج الحدود الوطنية فهذا يُظهرُ أن الجهد السياسي المبذول طيلة السنوات السبع الماضية ويتكثف الآن، لم يكن من أجل خدمة المسألة الوطنية أساساً بل من أجل خدمة مسائل ضيقة تعني جهات سياسية لا تعبر عن جوهر موقف الشعب السوري وثورته في قاعدتها العريضة.

فلو كان الجهد السياسي المبذول من الدكتور طعمة يخدم القضية الوطنية ما كان سوّق للطرف الروسي المنخرط إلى جانب النظام الأسدي في الصراع ضد شعبنا بما فيها عمليات التغيير الديمغرافي، فأستانا أساساً هي التفاف روسي صريح على قرارات الشرعية الدولية ومفاوضات جنيف الواضحة التي ترعاها الأمم المتحدة، فما الحاجة إلى أستانا لو كان الروس جادين في إيجاد حلٍ سياسي عادل للصراع في سورية ومكان ومبادئ هذا الحل متوفرة في القرارات 2118 و2254 وبيان جنيف واحد وفي قاعات مبنى الأمم المتحدة في جنيف ويجب أن لا ننسى أن الروس وقّعوا على كل تلك القرارات.

ولكن الروس وهذا لم يقله الدكتور “أحمد طعمة” ولا يجرؤ على قوله أنهم يريدون أخذ الورقة السورية ورقة تفاوض مع الغرب من أجل مسائل صراعية بينهما كمسألة الطاقة والدرع الصاروخية وأوكرانيا وغيرها، لذلك لا تبدو انعطافة موقف الدكتور طعمة هي تعبير حقيقي عن فهم الضرورة التاريخية للصراع بين شعب مقهور بكل مكوناته وبين نظام استبدادي قهر كل هذه المكونات بما فيها حاضنته “الطائفة العلوية” التي دفعت من دماء أبنائها ثمناً لبقاء نظام لفظه التطور الاجتماعي والسياسي السوريين بدليل حجم التظاهرات السلمية العظيمة التي طالبته على الرحيل من سدّة الحكم.

انعطافة موقف الدكتور أحمد طعمة ومن يناصره بهذا الاتجاه من المعارضة السياسية السورية تحتاج قبل ركوب موجتها إلى إجراء نقدٍ ومراجعة وكشف حساب أمام الشعب السوري عما فعلوه خلال فترة السبع سنوات الماضية.

لقد غاب عن ذهن الدكتور أحمد طعمة أن الفصائل التي نُصّب من أجل تمثيلها في مفاوضات أستانا هي فصائل لم تحمل همّ الثورة السورية الحقيقي في بناء دولة الكرامة والحرية والديمقراطية والدليل على ذلك هو رفض هذه الفصائل المستمر لوحدة عملها العسكري والسياسي وارتهانها لأجندات الممولين الإقليميين والدوليين واقتتالها فيما بينها إضافة إلى اختراق النظام لنسيج بعضها.

وفق هذه الرؤية يبدو قول الدكتور “أحمد طعمة” أن الثورة السورية لم تقم لتغيير النظام السياسي في البلاد وإزالة الاستبداد هو قول يجانب الحقيقة ويخدم بقصد أو بغير قصد قوى الثورة المضادة التي تستعجل قطف ثمار الدم السوري المراق على عتبة الحرية.

هذه الرؤية التي تقول أن الثورة لم يكن هدفها استبدال بنية نظام قهري بآخر ديمقراطي من خلال تفكيك البنية الأولى المعادية للشعب وتطوره بأخرى تنبثق من الشعب ومصالحه، هو قول لا أعتقد أنه يعبر عن عميق رؤية الثورة السورية السلمية أو رأي قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية.