Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

جوقة المُطبلين للنظام تشتكي سوء المعيشية.. ما سرّ ذلك؟

أحمد زكريا - SY24

على هامش أزمات المازوت والغاز وحليب الأطفال وغلاء سعر ربطة الخبز وأسعار كثير من المواد الأخرى، وعلى هامش فصل البرد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في مناطق سيطرة النظام، تعالت أصوات فنانين و إعلاميين موالين للنظام السوري تشكو إليه سوء الأوضاع المعيشية في سوريا.

القصة بدأت من رسالة وجهتها الممثلة “شكران مرتجى” لبشار الأسد تشكو له انقطاع مواد الغاز والمازوت والبنزين وارتفاع إيجارات المنازل وغلا أسعار حليب الأطفال، محملة المسؤولية لتجار الحروب والأزمات ومؤكدة أن الأسد هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يسمع صوت شعبه ويلبي ندائه” على حد زعمها، لتليها شكاوى ومناشدات من “المذيعة ماجدة زنبقة والممثل بشار اسماعيل والفنان أيمن زيدان، إضافة للصحفي ماهر المؤنس”، لرأس النظام لتخليصهم من حالة الوضع الاقتصادي المتردي والعذاب الذي يعانون منه على حد وصفهم.

وأثارت تلك الظاهرة العديد من التساؤلات حول توقيتها والهدف منها، كون تلك الشكاوى الموجهة لرأس النظام صادرة عن أشخاص عرفوا بولائهم الأعمى لرأس النظام بشار الأسد، فبعد أن كانوا يطبلون ويزمرون له مع كل مصيبة تحل بالشعب السوري الثائر من أجل تلميعه وإظهاره بصورة الحمل الوديع، يوجهوا له اليوم مناشدات لإيجاد حل للأزمة المعيشية التي تعصف بسوريا، متجاهلين في الوقت ذاته أنه المسبب لها.

املاءات وليس مناشدات

وعلى الرغم من أن تلك الأزمات المعيشية في سوريا ليست وليدة الساعة، بل ومنذ اندلاع الثورة السورية شاهدنا كيف بدأت حكومة النظام بالتضييق على المدنيين فيما يخص قطع الكهرباء والاتصالات والمياه وغيرها من الأمور الخدمية الأخرى، في سياسة واضحة لتركيع الشعب الثائر ضده، إلا أنها لم تحرك أي ذرة ضمير لدى هؤلاء الفنانين والإعلاميين الموالين للأسد.

وفي تعليق منه على تلك الرسائل الموجهة من موالين للأسد حول سوء الحالة المعيشية في سوريا قال الصحفي السوري “زياد الريس”: من الواضح أن هؤلاء الفنانين والمثقفين كما تم الإشارة لهم يتحركون ويتكلمون وفق إملاءات وليس من منطق إنساني أو وطني كما يدعون.

والدليل أن “أيمن زيدان” ابن قرية “الرحيبة” في القلمون والتي يعيش فيها غالبية أقربائه إلى الآن مرّ عليهم الحصار والقتل، وحتى أن أبناء الرحيبة والقرى المحيطة بها يعيش بعضهم في خيام “عرسال” اللبنانية تحت الثلوج.

وأضاف لسوريا 24، أن كل ذلك لم يحرك كل هذا أي شيء داخل قلب وعقل أيمن زيدان، الذي قضى طفولته وشبابه مع أشقائه ووالده في منزل وقف يتبع للأوقاف على “دوار السبع بحرات” وكانت أجرة المنزل 70 ليرة سورية، كما أن والده أمضى حياته كشرطي مرور على طريق قطنا حيث كان يتنقل إلى هناك بدراجة هوائية، وفوق كل هذا يأتي أبو حازم ليدافع عن أهالي دمشق ويترك أهله في الرحيبة، ويمكن العودة للتوثيقات التي تظهر عدد الشهداء من المدنيين والأبرياء بسلاح الأسد في الرحيبة ومنهم الكثير من “آل زيدان”.

وتابع “الريس” متسائلًا: أمّا الفنانة “شكران مرتجى” بنت فلسطين التي نعشق ارضها صمتت عن ذبح أبناء وطنها المهجرين في “مخيم اليرموك” ولم تبوح بكلمة واحدة وتأتي الأن لتتكلم؟ في حين أن “بشار اسماعيل” الذي كان ضابطا في مخابرات الأسد الأب قبل أن يقتل مواطن ويتم تسريحه يأتي الآن ليتحدث عن المواطن والوطن ويناشد زعيم العصابة الحاكمة؟

ويرى “الريس” أن كل هذا يؤكد أن ما يجري هو حملة ممنهجة لاستباحة دمشق والمدن السورية، بدءً بالإعلان عن شبكات الدعارة حيث ألقي القبض على عدد كبير من التجار وأبنائهم وتم ابتزازهم، مروراً بتبادل الزوجات ليتم تهديد الجميع، والآن يريد النظام ادعاء محاربة الفساد والقضاء على بقية الطبقة غير الموالية وصاحبة النفوذ المالي، وأنه هو من اوعز لهؤلاء كي يباشروا النقد ومناشدة الرئيس والأمر مكشوف، على حد تعبيره.

مزاودات للحصول على امتيازات

وتطرح تلك الاحتجاجات، بحسب مراقبين، تساؤلًا آخر مفاده: هل تحاول تلك الفئة التابعة لماكينات النظام الإعلامية والفنية ومن خلال مناشدتها الأسد بحد ذاته أن تظهره على أنه بطل إنساني وليس مجرم حرب؟ على أمل أن يجد المخرج لتلك الأزمات التي تعصف بسوريا.

الكاتب السوري “غازي دحمان” كان له وجهة نظر في تلك المناشدات والشكاوى، وقال لسوريا 24: إن تلك الاحتجاجات تشي بشعور بالخيبة لدى الموالين، كما تدل على قراءة خاطئة لما حصل في سورية، اعتقدوا أنهم قدموا تضحيات وبالتالي يستحقون الحصول على مزايا مختلفة، وبالمناسبة هم يريدون تخصيص تلك المزايا وحصرها لأنفسهم فقط، النازحون من المناطق الثائرة مستثنون من ذلك، ويعتقدون أنهم شركاء في دحر الثورة وبالتالي لا بد أن يكونوا شركاء في الغنيمة والامتيازات.

وأضاف: من غير المتوقع تطور هذه الحالة الاحتجاجية، وغدًا عندما ينتهي البرد سيعتبرون أن نظام الأسد حلّ واحدة من أعقد المشاكل، وعندما تأتي أول دفعة غاز من إيران سيعتبرون أن المشكلة محلولة، وأن الأزمة جرى تفكيكها، وأن عليهم أن يعيشوا فرحة النصر وينسوا هذه المطالب الصغيرة الفارغة.

ولفت “دحمان” إلى أن نظام الأسد لن يقدم لهم شيء ولن يحل أزماتهم ولن يرهق نفسه بمطالبهم، فهو يعتقد أنه تجاوز الأصعب وصار لديه خبرة في قمع أي احتجاج ومن لا يصدق فليجرب، هذا النظام يعتبر كل مطلب شعبي تحدي له ويتعاطى معه وفق هذا المنطق، كما أن لا شيء لديه يعطيه لهم فهو نظام مستنزف إلى آخر الحدود.

وفي ردّ منه على سؤال حول عدم تعاطف تلك الفئة مع قاطني مخيمات النزوح واللجوء التي تسبب بها نظام الأسد وميليشياته قال “دحمان”: إن جميع الموالون، مثقفون وفنانون وغيرهم يعتبرون أن اللاجئين خارج اهتمامهم، فهم يتبنون نظرية النظام بأن هؤلاء خونة ولا يستحقون التعاطف، من جهة ثانية يعتبرون أن هؤلاء رغم كل مآسيهم وضعهم أفضل من وضع الذين في الداخل، أضف لذلك أنهم لو أبدوا أدنى تعاطف مع اللاجئين فإن نظام الأسد سيعتبرهم أعداء له.

وتناقلت مصادر إعلامية، قيام قوات أمن النظام بشن هجوم على تلك الاحتجاجات الصادرة عن فنانين وإعلاميين موالين للأسد حيث اعتبرت قوات أمن النظام أن المستهدف هو “تقليص شعبية” الأسد، كما وصفت من هدّد بالانتحار إذا لم يتم الاستجابة للمطالب بـ “الحمير”.

وتعليقًا على ذلك قال “دحمان”: إن دخول المخابرات على خط الرد على المطالبين الموالين هو تهديد وإنذار بأن المخابرات ستعتبر هذه المطالب بمثابة استهداف لرأس النظام وبالتالي لن تتهاون معها، ولن تسمح للحمير بالتطاول على مقام سيادته ومن يريد أن ينتحر فلينتحر، تلك مشكلته، المهم لا يزاود على الأسد.

موالون مأجورون لاستنزاف غضب الشارع السوري

وعلى الرغم من الضجة الإعلامية التي أحدثتها مناشدات الموالين للأسد بسبب سوء الأوضاع المعيشية، إلا أن كثيرين قللوا من جدية تلك الفئة فيما يتعلق بخوفها وحرصها على أبناء البلد وحياتهم المعيشية، معتبرين أن تلك الشكاوى شكاوى شخصية ولا علاقة لها بالشارع السوري والمآسي الحياتية التي يمر بها.

وفي هذا السياق، قال الصحفي السوري “محمد بيطار” لسوريا 24: إن هؤلاء الاشخاص مهما طال أمد الحرب في سوريا (كما يسمونها) لا يمكن أن يتأثروا بغلاء المعيشة أو فقدان للغاز وما إلى ذلك من ارتفاع الأسعار.

وأضاف، أن هناك أمرين اثنين، فإما أن يكون النظام هو من اقتادهم ليفعلوا ذلك ليخفف من ضغط الشارع، وهو المرجح أن يستخدم شخصيات بارزة لديه ليستنزف الغضب الموجود بسبب نقص الغاز والكهرباء والخدمات السيئة، لكسب الوقت بوعود بالية من المتوقع أن يخرجوا خلال أيام ويقولون لقد تلقينا وعود بالتغيير، أو أن هناك أمور أخرى أصبحت خارج نطاق هؤلاء الاشخاص وأصبحت تؤثر عليهم سلباً سواء على الصعيد العملي أو أمور امنية تهدد حياتهم بالخطر، وخاصة بعد التغيرات التي تحدث في دمشق بالمراكز الأمنية من قبل موسكو.

وأشار “بيطار” في حديثه لسوريا 24، إلى أن النظام اليوم غارق في الديوان وعليه عقوبات اقتصادية عالية جداً، وبالتالي هو يسعى ليل نهار لإعادة الكثير من الأمور الحيوية لسوريا ليستطيع إعادة ترميم جزء من البنى التحتية، وأهمها هي ملف إعادة الإعمار والذي يبني عليه أحلام كبيرة بعوائد مالية من شأنها أن تعود على سوريا بتخفيف أو رفع الاقتصاد لمرتبة يمكن أن يبدأ بمسيرة الإصلاح كما يسميها.

وأعرب “بيطار” عن توقعاته بأن تشهد الأماكن التي تحت سيطرة النظام الأن ارتفاع الصوت لدرجة أعلى، ولكن الجميع يعلم أن من في الداخل لديهم سقف من الحرية محدود للتعبير وإلا سيكون في أقبية التحقيق على أنه ارهابي وغيره، وهنا تكمن المصيبة في أن المواطن بات بين فكي كماشة، من جهة أن هناك حساب ومن جهة أخرى أن أبسط الحقوق لا يمكنه أن يحصل عليها، على حد تعبيره.

محاربة الفساد وفق رؤية الفاسدين

أمّا الصحفي السوري “فراس علاوي” فاعتبر أن الأسد يلعب على وتر شعبية الفنانين والإعلاميين ممن لهم جمهور واسع، من خلال ايحاءات سياسية أو أمنية بمهاجمة الفساد، لإعطاء صورة واضحة للعالم بأنه من الممكن أن يحدث تغييرًا ما على صعيد الحالة السورية، ولإيصال رسالة بأنه بات متفرغا لإعادة ترتيب بيته الداخلي السياسي والاجتماعي والإداري داخل مناطق سيطرته.

وأضاف، أنه من المعروف أن الفساد من أهم أسباب الثورة السورية، لذلك هم سيحاولون تبرير حربهم على الفساد بأنه هو من تسبب بهذه المشاكل ولم يجدوا أفضل من الفنانين والإعلاميين لتأييد هذه الطريقة، معتبرًا في الوقت ذاته أن الاحتجاجات كانت محددة والدليل أن البيانات موجهة للرئيس، ولكن بنفس الوقت تؤيد رأس النظام الذي قتل شعبه، لذلك الرسائل هدفها واضح محاربة الفساد بطريقة تريدها الحكومة وليس انتقاد النظام.

وفي ختام حديثه، أعرب “علاوي” عن اعتقاده أنه وبعد موجة الاحتجاجات والشكاوى من تلك الفئة ستليها المرحلة الثانية وهي عملية تغيير في الحكومة أو نقل لمحافظين إضافة إلى تغييرات إدارية أخرى في مسعىً واضح من النظام لإعادة تدوير المشكلة وليس البحث عن حلّ للأوضاع المعيشية السيئة في سوريا.