Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

طالب سوري من درعا.. من معتقلات النظام إلى محاضر في أوروبا بمجال السرطان

متمرد المقداد – SY24

يمثل محمد العيسى مثالاً للعقول السورية التي تعرضت للقمع والاعتقال والتهديد بالتصفية بسبب موقفه السياسي ومعارضته لنظام الأسد، نذكر هنا أن محمد هو أخ الشهيد القناص مالك العيسى والذي عرفته محافظة درعا كما عرفته مدينة حلب.

نشأ محمد في مدينة بصرى الشام في الجنوب السوري والتي كانت من أوائل المدن التي صرخت بوجه النظام وقدمت من الشهداء والمعتقلين ككل مدينة سورية ولم تقبل ظلم الأسد الأسد.

قصة محمد العيسى من القصص المميزة التي تثبت أن الإصرار والطموح ليس لهما حد، وهو ما تلمسه في تفاصيل تلك القصة التي جعلته اليوم أحد المميزين على مستوى العالم في اختصاص يعتبر من الأصعب فكيف كانت مسيرة محمد حتى وصوله إلى ألمانيا مروراً بعمله ضمن الحراك الثوري؟

النشأة والدراسة

نشأ محمد العيسى في مدينة بصرى الشام من محافظة درعا، ودرس فيها حتى المرحلة الثانوية، ويقول في حديث مطوّل وخاص لـ SY24 إن “عائلته هي من غرست حب العلم في نفسه منذ الصغر، كما أن أهالي بصرى يعرفون والده الأستاذ “أحمد العيسى” جيداً، والذي خرّج أجيالاً عديدة من طلاب حوران منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.

اختار محمد أن يختص في الفيزياء (المادة التي يحبها منذ صغره) بعد تفوقه في الثانوية بمعدلٍ عالٍ، وتمكن من دخول جامعة دمشق في عام 2004، وتخرج عام لتبدأ مرحلة جديدة في حياته وهي الخطوة الأولى في طريق نجاحه.

بدأ محمد دراسة الماجستير في “الوقاية الإشعاعية وأمان المصادر المشعة وأمنها” في جامعة دمشق وهيئة الطاقة الذرية السورية، وتصادفت بعد ذلك انطلاقة الثورة مع بداية عمله في هيئة الطاقة الذرية السورية في قسم (الوقاية والأمان والإشعاعي) وبشكل موازي تابع دراسة الماجستير، التي عَنْوَن فيها أطروحتها بـ “تقدير التأثيرات الإشعاعية والبيئية لمنشأة تخلص من النفايات المشعة في صناعة النفط والغاز”.

محمد كثائر واعتقاله

بدأ نشاط محمد الثوري يظهر منذ اللحظة الأولى لانطلاق المظاهرات بدرعا البلد، ويذكر أن اعتقال الشهيد مالك في اليوم الثاني لبدء المظاهرات في مدينة درعا أشعل نيران في قلبه ورؤيته للقتل والدماء التي سالت كان أشد ألماً ووقعاً على حياته، يضاف إلى ذلك فقدانه للعديد من الأصدقاء الشهداء كرّس قناعته التي كانت من قبل الثورة أن لا حياة بوجود هذا النظام.

ومع ذلك يؤكد لنا أن العلم هو الموازي للثورة على الظلم للنهوض بالمجتمعات، ولابد من استمراره مهما كانت الظروف وهو ما دفعه للاستمرار في عمله ودراسته في دمشق، وبشكل موازٍ لعمله في المجال الإغاثي وتأسيس اللبنة الأولى لمجلس الإدارة المحلي، في تلك الفترة شارك محمد بدورة في دولة المجر تحت عنوان (المقاييس الإشعاعية المحمولة) بترشيح من الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما فاتته دورتين بسبب الظروف السيئة التي حدثت إبان حصار درعا، وكانتا في مجال النفايات المشعة ضمن برنامج أيضاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأولى في أبو ظبي والثانية في النمسا.

قام محمد بالدفاع عن أطروحة الماجستير في الشهر الخامس من عام 2012 وبعدها كان القرار نهائياً بترك عمله في هيئة الطاقة الذرية السورية والاستقرار في مدينته “بصرى الشام” حتى تاريخ 10 أبريل 2013.

ومحاولة تقديم المساعدة في المجالين الاغاثي والتنظيمي سبّبا لاحقاً باعتقاله من بيته من قبل شبيحة النظام وتسليمه لمفرزة الأمن العسكري في بصرى الشام، وتحويله بعد ذلك لفرع الأمن العسكري بالسويداء، وبعد التحقيق تم نقله للفرع 291 في دمشق كفرسوسة، ومن ثم إلى الشرطة العسكرية في القابون نهاية إلى سجن عذرا بتهمة “تمويل الإرهاب”.

خلال فترة سجن محمد أصيب أخاه الأصغر مهند وتم إسعافه إلى المملكة الأردنية الهاشمية لضعف الإمكانيات في المشفى الميداني في ذلك الوقت، وخطورة حالته الصحية بالإضافة لعدم إمكانية علاجه في المشافي الخاضعة لسيطرة النظام.

خرج محمد من السجن ليعود للعمل في اللجان الإغاثية والإدارة المحلية ضمن المناطق المحررة، مع عدم قدرته على العودة للبيت بسبب تهديدات الشبيحة بالتصفية كون مدينة بصرى لم تكن محررة في تلك الفترة، حيث كان يقع منزله ضمن مناطق سيطرتهم.

السفر للأردن واستشهاد شقيقه المهندس مالك

بعد مكوثه في بصرى الشام لبضعة أشهر قرر محمد الخروج للأردن عن طريق المعابر الثورية آنذاك للاطمئنان على صحة أخيه وزيارة والدته المقيمة معه ليصل فجراً، وظهر اليوم التالي وصل خبر استشهاد مالك، الشاب الذي درس الهندسة المعمارية في حلب، واعتقل عدة مرات ليستشهد بعدها في حي الراشدين بحلب حاملاً قناصته خلال مواجهة مع قوات النظام، وفي هذا الوقت كان قرار محمد نهائياً بعدم العودة إلى سوريا، مادام بشار الأسد يحكمها.

وكان القرار المناسب بالنسبة للعائلة التي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك وقناعتهم بأن بناء سوريا المستقبل لا يكون فقط بالإغاثة والتنظيم ضمن سوريا، وأيضاً بالعلم والتقنية لبناء سوريا المستقبل، وربما هذا السبب الذي دفعهم للبقاء في الغربة.

السفر إلى ألمانيا ورحلة الدراسة

حصل محمد على فيزا دراسية إلى ألمانيا وسافر بشكل مباشر ليبدأ تحدي جديد وأصعب من السابق حسب وصفه فبدأ بتعلم اللغة الألمانية، وما إن انتهى من ذلك كان لا بد أن يخطط للمرحلة التالية وكون فيزته دراسية ولا يحصل على أي مساعدة مادية من الحكومة؛ فكان لابد عليه أن يعمل، وبالتالي عمل في مطعم شاورما تركي لمدة عشرة أشهر ليتمكن من إعالة نفسه في بداية دراسته التي سيتفرغ لها.

بشكل موازي كان يبحث عن مشرف للدكتوراه في مجال الوقاية الاشعاعية دون جدوى فقوبلت كل محاولاته بالرفض ويعزو السبب لندرة الاختصاص في ألمانيا وبالتالي ندرة الفرص المتاحة كما وتعقيده من جهة أخرى وربما لعدم الثقة بالشهادة الأجنبية مقارنة بخريجي الجامعات الألمانية، لكن كل ذلك لم يجعل اليأس يتسرب لنفسه، حيث راسل أكثر من 50 مركز وجامعة وبروفيسور وكل المحاولات باءت بالفشل، فقرر أن يدرس ماستر من جديد ويغير الاختصاص إلى الفيزياء الطبية.

حصل على قبول ماجستير من جامعة وسط هيسن التقنية وبدأ الدراسة، ولم يحتاج لوقت طويل للتأقلم في الجامعة، فحصل على عقد عمل كباحث في معهد الفيزياء الطبية والوقاية الإشعاعية، ومن ثم حصل على منحة كطالب ماستر من وزارة التعليم والثقافة وهي منحة هيسن فوندز لأصحاب الكفاءات المميزة، وتم تكريمه من قبل وزير التعليم الألماني لولاية هيسن.

خلال تلك الفترة كان يحضر الأفكار الرئيسية ليبدأ بحثه في الدكتوراه بعد أن عرض عميد كلية العلوم التطبيقية في الجامعة ومدير برنامج “ماستر الفيزياء الطبية” عليه مشروع دكتوراه بكلية الطب بجامعة ماربورغ بالاتفاق مع جامعة وسط هيسن التقنية تحت عنوان (الجرعات الإشعاعية للفوتونات عالية الطاقة بوجود الحقول المغناطيسية).

ومع بداية دراسة الدكتوراه قدم على منحة جديدة من وزارة العلوم والثقافة كطالب دكتوراه حصل على المنحة وتم تكريمه من قبل رئيس جامعته ضمن حفل موسيقي وحضور عدد كبير من الطلبة.

ومع ذلك تقدم محمد للحصول على منحة جديدة من منظمة روزا لوكسمبورغ السياسية التابعة لحزب اليسار الألماني، والتي تعتبر من أصعب المنح الألمانية وحصل عليها كطالب دكتوراه ليصبح أيضاً عضواً في المنظمة.

من الإنجازات التي يفتخر فيها محمد ويعتبر أنها فخر لكل سوري ولكل عربي في ألمانيا اختياره من قبل لجنة تحكيم على مستوى الولاية وبترشيح من جامعته ضمن أفضل 20 أكاديمي من أصول أجنبية في ولاية هيسن وأغلبهم بروفيسورات على مستوى العالم ومنهم رؤساء جامعات، وحصل بذلك على شهادة من وزير الشؤون الاجتماعية والاندماج ضمن حفل كبير في ” قصر بيبرش” في عاصمة الولاية بالإضافة لنشر كتاب صادر عن الوزارة كتكريم لكل الشخصيات يذكر فيه إنجازات كل شخص ممن تم تكريمهم.

المشاركات العلمية

خلال الأعوام 2016 وحتى 2018 شارك محمد بعدد من المؤتمرات الدولية والأوروبية والألمانية بعضها كمشارك عادي وبعضها كمحاضر ونذكر منها:

ـ المؤتمر التاسع لعلاج السرطان الإشعاعي في مدينة ليمبروغ 2016

ـ المؤتمر السنوي الألماني لعلاج السرطان في مدينة مانهايم 2016

– المؤتمر السنوي الألماني للفيزياء الطبية والهندسة الطبية في مدينة فورتزبورغ 2016.

المؤتمر الألماني السنوي لعلاج السرطان في برلين 2017.

المشاركة بعرض بحثه في المؤتمر الألماني السنوي للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية وترشيحه كواحد من أفضل 10 عروض على مستوى ألمانيا 2017 .

المشاركة في المدرسة الشتوية للفيزياء الطبية في النمسا، وتضم خبراء علاج السرطان الإشعاعي في كل من ألمانيا والنمسا وسويسرا 2018.

– تقديم محاضرة في الكونغرس العالمي للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية في براغ عاصمة التشيك 2018.

عدا عن ذلك كله، يقوم بالتحضير لعدد من المؤتمرات القادمة أهمها:

المؤتمر الأوروبي للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن وسيقدم فيه محاضرة.

– المؤتمر السنوي للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية في مدينة نورنبيرغ المانيا وسيقدم فيها محاضرتين.

جمعية مالك

قام محمد بتأسيس جمعية مرخصة في ألمانيا تحمل اسم مالك وتعمل الجمعية على دعم الطلاب الأجانب في ألمانيا وبالأخص اللاجئين السوريين، ولاقت فكرة الجمعية منذ تأسيسها اهتماماَ كبيراً من الشخصيات الأكاديمية والاجتماعية المعروفة في ألمانيا، ويصف محمد جمعية مالك بأنها النصف الثاني المكمل لحياته بالإضافة لأبحاثه في مجال علاج السرطان.

هذا ووجه محمد رسالة للشباب السوري عبر منصة SY24 مفادها كما جاءت على لسانه:

أود أن أوجه رسالة لكل فتاة وشاب سوري بعدم فقدان الأمل رغم سوء الظروف فلا يوجد نجاح من دون فشل، لكن المهم الاستمرار والصبر والمثابرة، كما أتمنى من الأهل فهم أبنائهم وإمكانياتهم بشكل أفضل، وعدم التركيز على الطب أو الهندسة فهي ليست قبلة الطلاب، المهم ما يحبه الطالب وما يجد نفسه فيه.

أما إخوتي الثوار فأرجو الله أن يوفقكم ويثبتكم في وجه آلة الدمار والإجرام الأسدية ونشعر دائماً بالتقصير لما تقدمونه من تضحيات لم تشأ الظروف أن نكون معكم فيها.

و بدوري أهدي هذا النجاح لوالدي ووالدتي وإخوتي، وكل إنسان في مدينتي بصرى الشام، ولكل ثائر في وجه النظام المجرم.