أمضى “عبد الجواد شعيب” 41 عاماً، ابن مدينة تفتناز في ريف إدلب الغربي، عشرين عاماً من عمره، في تعلم وإتقان فن الخط العربي، وتميز بهذا المجال بعد أن حصل على إجازة في الخط من نقيب الخطاطين في مصر، وحصل على دبلوم من رابطة خطاطي كردستان العراق، ويمارس مهنته اليوم في محافظة إدلب بتعليم الجيل الناشئ.
تفتقر محافظة إدلب إلى جهة راعية للخطاطين أو نقابة تستثمر جهودهم، يقول الخطاط “عبد الجواد” إنه استغل شغفه وحبه لفن الخط العربي بتعليم الطلاب في المدارس الخاصة، والمعاهد ضمن دورات خاصة أيضاً، وقد انشغل بهذه المهنة منذ خمس سنوات ليست فقط كعمل ومصدر دخل، بل هي موهبة تستحق إكرامها حسب تعبيره.
هناك ستة أنواع أساسية للخط معروفة عند العرب، وهي خط الرقعة بشقيه المصري والشامي، وخط النسخ بأنواعه الثلاثة، والخط الديواني، وخط الكوفي، والفارسي والثلث، ولكل منها أسلوب وطريقة في الكتابة والرسم.
يشبه “عبد الجواد” الخط بالهندسة الروحية، فلكل حرف روح تكاد أن تنطق، إذ يتبارى الخطاطون في رسم الكلمات كأنها خيوط ملونة يبرعون في نسجها، ويجعلون من الأحرف الصامتة أشكالاً تعج بالحيوية والجمال، وحظي فن الخط العربي بمكانة مرموقة عند العرب، وقالوا فيه قديماً إن “الخط لسان اليد”، وكذلك هو الحال بالنسبة له كما أخبرنا.
إلا أن الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي لغالبية الأهالي في الشمال السوري جعلت الاهتمام بأي نوع من أنواع الفنون سواء الرسم أو الخط أو غيرها من المهارات اليدوية، أمراً ثانوياً، لا يحظ بالاهتمام المستحق له.
ورغم ذلك يقول “عبد الجواد” إنه لمس من خلال تدريسه مادة الخط في المدارس حباً كبيراً من قبل عدد من الطلاب/ات، ومهارة واضحة في رسم الحروف وإتقان كافة أنواع الخطوط المعروفة، وراهن على تخريج دفعات منهم متقنين للفن، ومؤهلين لتعليم الأجيال القادمة، إلا أن مادة الخط في المدارس العامة لا تحظَ بالاهتمام المطلوب، ولا بالتعليم المتقن وهذا ما يجعل عتبه كبير على المسؤولين عن عملية التعليم في المنطقة، آملاً أن تنال مادة الخط مكانها الذي تستحق يوماً ما.
يصطدم الخطاطون في إدلب بعقبات أخرى، أبرزها عدم وجود المواد والأدوات اللازمة للكتابة مثل الورق والحبر والقصبة، والطومار، وهذه الوسائل التقليدية هي الأدوات اللازمة لصناعة الخط، أما القصبة هي نبات متعدد الاستخدامات، بسبب التجويف الداخلي له من بينها استخدامها للكتابة، اذ تحتاج إلى بريٍّ دقيق ثم قطع لكي تتحول إلى قلم يمكن الكتابة بها.
يقول “عبد الجواد” إنه يقوم بصنع القصبة بنفسه، لعدم توفرها في مكتبات المدينة، كذلك يقوم تحضير الورق المناسب للكتابة والتي يفضل أن يكون ذو ملمس ناعم، فكلما كان الورق أملسًا كلما كان أفضل للخطاط، وخاصة المتدربين المبتدئين، يخبرنا أنه يقوم بإعداد الورق عن طريق تقهره، وتقهير الورق يعني تشذيبه وتنقيته وتحويله إلى ورق ناعم يصلح للكتابة.
نقل “عبد الجواد” حبه لفن الخط العربي ليس فقط لطلابه الراغبين بتعلم الخط وإتقانه، بل لأولاده الأربعة أيضاً، يقول إن “حب الخط يسري في العائلة وهو تعلق بهذا الفن منذ صغره وتعلمه من أقاربه، ثم احترفه وصقل موهبته على مدار عشرين عاماً”.
يتطلع خطاطون في مدينة إدلب اليوم، إلى اهتمام أكثر بمهنة الخط العربي، إذ تعد المهنة مظلومة حسب قولهم وتحتاج إلى من يرعاها بشكل فعلي، إذ عرف عن السوريين حبهم وبراعتهم في احتراف فن الخط منذ القدم.
