Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

معاناة الإعلاميين في ساحات الصراع السورية

خاص – SY24

واجه الإعلاميون والصحفيون حملة قمع وانتهاكات ممنهجة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش على مناطق متفرقة في سوريا، هدفت إلى إسكات صوت الحقيقة وكسر إرادة التعبير، لتكون فئة الصحفيين من أبرز ضحايا التنظيم في تلك الفترة.

أشكال الانتهاكات

تنوعت أشكال الانتهاكات التي ارتكبها داعش بحق الإعلاميين والصحفيين، والتي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب تقارير لمنظمات دولية، بين جرائم القتل الوحشية، الاختطاف، الإعدام الميداني، الاعتقال والتعذيب بظروف قاسية، ممارسة مختلف أساليب التعذيب الجسدي والمعنوي، التهديد والتخويف لإجبارهم على التوقف عن العمل أو مغادرة مناطق سيطرته، الرقابة والتضييق ومنع نشر أي معلومات لا تتوافق مع أيديولوجيته، إضافة إلى تدمير العديد من المؤسسات الإعلامية.

وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود في تقارير سابقة لها، أن “تنظيم داعش يستخدم التخويف والاختطاف والتعذيب والقتل للاستهداف الممنهج للصحفيين ووسائل الإعلام الذين يختلفون مع أيديولوجيته”.

وأشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقارير سابقة، إلى أن “ممارسات داعش في خطف واحتجاز وإخفاء الأفراد قسرا، قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية التي يجب محاسبة المسؤولين عنها”، مضيفة أنه “بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين أُخفوا على يد داعش، فضلا عن الطريقة التي نفذ بها التنظيم عمليات الاختطاف لا سيما ضد الحقوقيين وناشطي المجتمع المدني والصحفيين وفي بعض الحالات الإعدامات العلنية، فمن المحتمل أن يكون قادة وأعضاء داعش مسؤولين عن جرائم ضد الإنسانية متمثلة بالاختفاء القسري والإعدام”.

دوافع الانتهاكات والجرائم

كما تنوعت دوافع الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها داعش بحق الصحفيين والإعلاميين، بين إسكات صوت الحقيقة ومنع نشر أي معلومات عن جرائمه وانتهاكاته، إضافة إلى محاولة بث الرعب والخوف في قلوب الإعلاميين والصحفيين ومنعهم من ممارسة عملهم، إلى جانب هدفه في الترويج لأيديولوجيته وتجنيد المزيد من الأعضاء بين صفوفه.

وفي العام 2020، وثقت هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، أسماء عدد من الصحفيين اختطفهم داعش وباتوا في عداد المفقودين.

أبرز عمليات القتل والإعدام

وكان من أبرز وأخطر الجرائم التي ارتكبها داعش بحق الصحفيين (سوريين وأجانب) إلى جانب كل الجرائم التي ارتكبها، جريمة قطع رأس الصحفي الأمريكي “جيمس فولي”، عام 2014، ردا على الضربات الأمريكية على مقرات داعش شمال العراق، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية أن “قيام داعش بإعدام صحفي أمريكي كان في عداد المفقودين داخل سوريا يشكل جريمة حرب تبرز مدى الحاجة الملحة إلى تحرك جميع الدول التي تتمتع بنفوذ في المنطقة كي تضمن الإفراج عن باقي الصحفيين المفقودين”.

وأضافت في تقرير لها “يتعين على جميع البلدان المتحاربة وغيرها ممن لها مصالح في المنطقة أن تسخر جميع الوسائل الدبلوماسية الممكنة لضمان عدم مقتل المزيد من الصحفيين الذين يؤدون واجبهم أو غيرهم ممن يقومون بأعمال مشروعة في المنطقة”.

ويُذكر أن جيمس فولي، قد اختُطف في تفتناز بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا بتاريخ 22 تشرين الثاني 2012، وسبق له الدخول إلى سورية عدة مرات في الأشهر التي سبقت تعرضه للاختطاف من أجل تغطية أخبار النزاع فيها.

ومن الجرائم الأخرى التي يُعتقد أن داعش ارتكبها عام 2015، إعدام شابة من مدينة الرقة وهي مواطنة صحفية تدعى “رقية حسن”، بسبب كتابتها عن الحياة اليومية في الرقة وعن الهدف المتكرر للغارات الجوية التي يشنها التحالف ضد التنظيم.

وذكر ناشطون من أبناء الرقة أن رقية وبعد دخول داعش إلى المدينة، رفضت المغادرة وبدأت في الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.

تقييد حرية التعبير

وأدت انتهاكات داعش إلى تقييد حرية التعبير بشكل كبير في مناطق سيطرته، في حين فقدت سوريا العديد من الإعلاميين والصحفيين الموهوبين الذين كان لهم دور هام في نقل الحقيقة وكشف جرائم داعش، إضافة إلى التسبب بتراجع حرية الإعلام بشكل كبير في سوريا بسبب انتهاكات داعش، مما أثر على حق المواطنين في الحصول على المعلومات، حسب تقارير متطابقة.

وتميز تنظيم داعش بعمليات القتل بأساليب حديثة سينمائية واستعراضية، مستخدماً هذا الأسلوب بشكل خاص وموسع مع الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام.

ومن أبرز النماذج على ذلك تنفيذ حكم الإعدام بـ 4 من النشطاء الإعلاميين بطرق وحشية واستعراضية، قام ببثها ضمن الإصدار المرئي الذي نشره المكتب الإعلامي لتنظيم داعش في محافظة دير الزور يوم السبت 2016 بعنوان” وحي الشيطان“، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

سلاح رعب وترهيب

وذكر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن المختفين قسرياً لدى تنظيم داعش قضية عالقة منذ سنوات، وإن ما يميز هذه القضية أنه لم يتم الكشف عن مصيرهم على الرغم من السيطرة على كل مراكز الاحتجاز التي كانت تابعة للتنظيم، حيث مارسَ تنظيم داعش عمليات الإخفاء القسري ضدَّ فئات واسعة من المجتمع وفي كل منطقة سيطر عليها أو وجدَ فيها، كسلاح رعب وترهيب للمجتمع وكسياسية لإنهاء وسحق خصومه من النشطاء والوجهاء والفاعلين المؤثرين في المجتمع.

كما استهدف تنظيم داعش على نحوٍ خاص الأجانب بهدف الحصول على مبالغ مالية ضخمة، والصحفيين وعمال الإغاثة والنشطاء الإعلاميين والعاملين لدى المنظمات الإنسانية والأقليات العرقية والدينية، والمخالفين للتعاليم والقرارات التي يفرضها سواء كانت الدينية أو غيرها، كما شملت عمليات الإخفاء القسري مقاتلين من خصومه.

واستخدم تنظيم داعش الكثير من الأساليب لبسط سيطرته على الإعلاميين، حيث كان داعش يستخدم التهديدات والضغوط النفسية لتثبيط الصحفيين عن مواصلة عملهم، إذ كانت هناك تهديدات مباشرة بالقتل لمن يقومون بتغطية الأحداث بطريقة تخالف الخطاب الرسمي للتنظيم.

ومن الممارسات الأخرى، كان داعش يستخدم وسائل الإعلام التابعة له ويطلب من الصحفيين والإعلاميين نقل خطاب التنظيم وكل من يرفض كان يواجه انتقاماً شديداً، وفق التقارير.

داعش والنظام وجهان لعملة واحدة في التعذيب

وحول انتهاكات داعش وممارساته بحق الصحفيين، قال محمد الصطوف مدير قسم الرصد والتوثيق في مركز الحريات التابع لرابطة الصحفيين السوريين لمنصة SY24: “معروف أن تنظيم داعش شأنه شأن النظام السوري في استخدام الأساليب القمعية والترهيبية ضد كل من يظهر الحقيقة وضد الصحفيين الذين كانوا يمارسون نشاطهم وعملهم الإعلامي في مختلف المناطق السورية”.

وأضاف “وفي مناطق تنظيم داعش كان معروفاً الأسلوب القمعي والترهيبي وحجم الخطورة الكبيرة التي قد تحيط بالصحفيين العاملين والناشطين العاملين في مناطق سيطرة التنظيم آنذاك، أي كان حجم المخاطر وحالات الترهيب مرتفع بشكل كبير فالصحفي الذي كان يعمل هناك كان عرضة للخطر بشكل أكبر مثل أي مناطق يسيطر عليها النظام، وبطبيعة الحال كان تنظيم داعش يسعى لعدم إظهار الحقيقة، أي تحريف الحقيقة ومنع خروج الحقائق من مناطق سيطرته إلا وفق الأجندة التي يرسمها”.

وتابع “مع الأسف هذا حال أغلب المناطق الجغرافية التي كانت تسيطر عليها قوى مختلفة في سوريا، وربما كانت هناك مناطق فيها هامش من الحرية أكبر ويسمح للصحفيين بالعمل بشكل أفضل، ولكن بطبيعة الحال تبقى مؤشرات حالات التضييق مرتفعة في سوريا، ونتمنى أن تصبح أفضل في المستقبل مع إيجاد آلية لحل سياسي جذري في سوريا، ومحاسبة المجرمين والمُنتهكين من كل الأطراف وخاصة النظام السوري وتنظيم الدولة الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا”.

وفي 2014، ذكرت لجنة حماية الصحفيين CPJ في تقرير لها، أن تنظيم داعش استخدم سمعته بالوحشية لتخويف الصحفيين ودفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية، مبينة أنه بعد أن أحرز التنظيم تقدماً عسكرياً حول مدينة دير الزور، أمر الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام بمبايعته حيث امتثل بعضهم، وأمر داعش الصحفيين بالإشارة إلى التنظيم باسمه الرسمي والامتناع عن إجراء مقابلات تلفزيونية، إضافة إلى إرسال تقارير للموافقة المسبقة من قبل المكتب الإعلامي للتنظيم.

بيئة خطرة جداً

وفي هذا الصدد، أوضح الصطوف أن “عمل الصحفيين في بيئة سيطرة تنظيم الدولة كان خطرا جدا، وكان التنظيم لا يسمح بخروج الحقائق إلا وفق الأجندة التي يرسمها، فلذلك كانت هناك بعض حالات القتل المعروفة التي اشتهرت في الرقة أو في دير الزور لصحفيين قتلهم التنظيم نتيجة عمل الإعلام لأنهم نشروا فيديوهات عن تلك المناطق أو أخرجوا معلومات أو حقائق عن التنظيم ومن ثم لاحقهم التنظيم سواء داخل سوريا أو خارج سوريا لصحفيين كانوا ناشطين في مجال تغطية الحقائق في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فكانوا يستهدفون استهدافا مباشرا نتيجة عملهم الإعلامي”.

ما الذي يتخوف منه داعش؟

وحسب تقارير غربية ومنها تقرير صادر عن “ديلي سيجنال”، فإن حملة داعش ضد وسائل الإعلام هي مجرد إدخال آخر في قائمة جرائمه الطويلة، ولكنها تستحق النظر فيها لعدة أسباب، منها أن التنظيم يخشى من التقارير الإخبارية غير المصرح بها التي تتسرب من أراضيها والتي لديها القدرة على الكشف عن سلوك ضار لا يشبه سلوك “الخلافة” التي كان ينادي بها التنظيم، مشيرة إلى أن مثل هذه التقارير تضرب مبررات داعش لتصرفاتها ووجودها ذاته، ولا يمكن للتنظيم أن يسمح بها، كما تعمل الصحافة المستقلة على تعقيد جهود داعش لجذب المجندين.

ولفت التقرير إلى أن الصحفيين يكشفون رسائل تنظيم داعش حول وحشيته، ومن أجل ذلك يعمل داعش على ملاحقتهم لإسكاتهم، إذ أن القسوة التي يبثها تنظيم داعش مُصممة وإستراتيجية لتخويف خصومه؛ فاستفزاز العالم ودفعه إلى التدخل الذي يعتقد تنظيم داعش أنه سيؤدي إلى نهاية العالم؛ تثير دغدغة الجهاديين الطامحين بنسختها من ” الجهادية القاسية “. ودعم ادعائها بأنها الممارس الوحيد للإسلام النقي.

ومع ذلك، يكشف الصحفيون تفاهة وروتينية وحشية داعش واستبدادها، ويكشفون عن إرهابيي داعش ليس كمحاربين فاضلين يستعيدون كرامة المسلمين في خدمة الله، ولكن كطغاة عاديين قاسيين، ومن هنا يقوم تنظيم داعش بمطاردة الصحفيين حتى خارج المناطق الخاضعة لسيطرته.

خطر الملاحقة والتصفية

وفي السياق ذاته، وعن دوافع التنظيم من وراء استهداف الكوادر الإعلامية، قال الصطوف، إن “كل من يخالف سياسة داعش وخطابه يتعرض للملاحقات ومخاطر الاعتقال أو التصفية أو القتل، وقد حصلت حالات كثيرة في الرقة منها مقتل صحفية عام 2016، وكان هناك تصفية لسبعة صحفيين أو ناشطين إعلاميين في آن واحد نتيجة عملهم الإعلامي، وفي حلب الشرقية كان هناك تصفية لعدد من الناشطين على يد داعش قبيل خروجه ودحره في نهاية 2015، حيث كانوا يعملون على تغطية وفضح انتهاكات وممارسات هذا التنظيم وأيديولوجيته، وكان التنظيم يتبع هذا الأسلوب مع كل الصحفيين”.

دور المؤسسات الداعمة للصحفيين.

وأكد الصطوف أن “رابطة الصحفيين السوريين” تواصل جهودها لحماية الصحفيين السوريين وتمكينهم من العمل بحرية في بيئة صعبة ومليئة بالتحديات، مبينا أنه منذ نشأتها، اتبعت الرابطة استراتيجية موحدة في جميع المناطق لتعزيز مهارات الصحفيين السوريين، تشمل: توعية الصحفيين بمخاطر العمل في بيئة الحروب، تقديم تدريبات على التغطية الميدانية والأمن الشخصي، مساعدة الصحفيين في الخروج من المناطق الخطرة.

كما تقدم الرابطة أيضًا دعمًا ماليًا للصحفيين المهجرين، بدعم من شركاء ومانحين دوليين، حيث ساعدت هذه المنح العديد من الصحفيين الذين هُجروا من مناطق مثل الغوطة الشرقية وحلب الشرقية.

كما يُركز مركز توثيق الانتهاكات التابع للرابطة على توثيق الانتهاكات ضد الصحفيين وفق معايير دولية، وتشارك الرابطة هذه التقارير مع جهات دولية بهدف محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وتحقيق العدالة للصحفيين المتضررين، مبيناً أن رابطة الصحفيين السوريين تؤكد على التزامها المستمر بحماية الصحفيين السوريين وتمكينهم من العمل بحرية ومهنية.

سلاح قوي يخشاه داعش

ووسط كل ذلك، يحتاج الرجال والنساء الشجعان الذين يفضحون خداع التنظيم وجرائمه إلى كل المساعدة التي يمكن للعالم أن يقدمها، لأن عملهم يمثل سلاحًا قويًا يخشاه داعش، وفق ما أفاد به محللون سياسيون غربيون.

الجدير ذكره أن منظمة مراسلون بلا حدود أكدت في تقارير سابقة لها أن وسائل الإعلام المحلية تلعب دوراً حاسماً في سوريا، حيث أصبح جمع الأخبار ونشرها خطيراً بشكل متزايد، وبالتالي فإن الهجمات عليهم تعد جرائم حقيقية ضد حرية المعلومات.