Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

التأثير المدمر لسيطرة داعش في سوريا

خاص – SY24

أثّرت سيطرة تنظيم داعش على مناطق في سوريا بشكل كبير على نظام التعليم وعلى الجانب الثقافي في هذه المناطق، حيث فرض التنظيم سياسات قمعية ومتشددة أدت إلى تراجع جودة التعليم وتدهور الوضع الثقافي.

وحتى عام 2017، قدّرت الأمم المتحدة عدد الأطفال الذين كانوا خارج المدارس في العراق بسبب تأثير داعش بنحو 3.2 مليون طفل. أما في سوريا بلغ عدد الأطفال المتسربين من التعليم حوالي 2.1 مليون طفل بسبب النزاع، وخصوصا في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش.

ومارس التنظيم العديد من الانتهاكات بحق قطاع التعليم إبّان سيطرته في مناطق بسوريا، وتعتبر فترة سيطرة داعش على مناطق متفرقة بين عامي 2013 و2017، من أكثر الفترات تحديًا وصعوبة لقطاع التعليم والثقافة في تاريخ سوريا، حيث سيطر داعش على المدارس وحولها إلى مقار أو مراكز تعذيب وسجون تابعة له. كما منع التنظيم تدريس التلاميذ وفق المنهج الرسمي المعتمد في سوريا، وفرض عليهم الخضوع لدورات تعليم دينية تُعَلِّمُ أفكاره المتطرفة، وألغى العديد من المواد الدراسية، مثل العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية.

وأغلق تنظيم داعش المدارس الحكومية وحوّلها إلى مراكز تدريب عسكري للشباب، ما أدى إلى انقطاع التعليم الرسمي لآلاف الطلاب، كما أجبر النساء على التوقف عن التعليم بشكل كامل، مما أثر على فرص التعليم والتمكين للإناث في المناطق التي كانت تحت سيطرته.

ومن الانتهاكات الأخرى التي ارتكبها التنظيم تدمير العديد من المدارس والجامعات والمكتبات، سواء بشكل مباشر عبر الهجمات المسلحة أو بشكل غير مباشر عن طريق سياساته القمعية والتخريبية.


وحسب تقارير متطابقة صدرت عام 2014، فإن “داعش أغلق معظم المدارس في مناطق دير الزور التي كان يسيطر عليها إلى حين إخضاع المدرسين لدورة شرعية، ولحين الانتهاء من إعداد مناهج تعليمية جديدة، بديلة عن المناهج التي يعتبرها كفرية”.

ولفتت التقارير حينها، إلى أن “مجموعة من التلاميذ والطلاب ومجموعة من ذويهم ومن المدرسين، تظاهروا في أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش في مدينة دير الزور، وطالبوا بإعادة فتح المدارس، والسماح للمدرسين والتلاميذ بإكمال تدريسهم ودراستهم”.

وكان “ديوان التعليم” أحد المكاتب المؤسسية الأولى التي أسسها داعش، حيث كان يتولى إدارته شخص يدعى (ذو القرنين/ مصري يحمل شهادة الدكتوراه في التربية) وكانت مهمته كذلك توجيه مناهج التعليم الابتدائي والمتوسط والإعدادي، فضلاً عن التعليم الجامعي، حسب تقارير.

وفي آب/أغسطس 2014، أصدر ديوان التعليم التابع للتنظيم تعميماً للمؤسسات التربوية والتعليمية في مناطق سيطرته شرق سوريا، تضمّن تعليمات تتعلق بالمنهاج الدراسي، وألغى كامل مواد التربية الفنية والموسيقية والتربية الوطنية والتربية الاجتماعية والتاريخ والتربية الفنية التشكيلية والرياضة وقضايا فلسفية واجتماعية ونفسية والتربية الدينية الإسلامية والتربية الدينية المسيحية. كما شطب التنظيم جملة الجمهورية العربية السورية أينما وجدت، واستبدلها بالدولة الإسلامية، وطَمَسَ جميع الصور التي لا توافق الشريعة الإسلامية، حسب التعميم.

وفي عام 2015، أصدر موقع “تدوين” تقريرا استند فيه إلى بحث صادر عن “مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية” ذكر فيه أن التنظيم استند إلى سياسة الهدم، حيث قطع بشكل كامل الروابط بين المناهج السابقة التي كانت تُقدمها المدارس وبين المحتوى الذي كان ينوي التنظيم فرضه على الأفراد في المستقبل، وإجبار بعض المدرسين على الانضمام إلى صفوفه، إما بطموحات شخصية أو بسبب الضغوط الاقتصادية القاسية أو بسبب الاقتناع بأهداف التنظيم، فأُرسلوا للمشاركة في المعارك بعد تدريب لم يزد عن أسبوعين.

ولفت التقرير إلى أنه في عام 2014، استقطب داعش حوالي 400 معلم، وأخضعهم لدورات شرعية كي يعملوا في منظومة داعش التعليمية، لكن اشتداد المعارك في مدينة عين العرب/ كوباني، جعل داعش يزج بهؤلاء في المعارك، فقتل وأصيب منهم عدد غير معروف بدقة.

وبحسب منظمة “اليونيسيف” الأممية في بيان لها صدر في 6 كانون الثاني/يناير 2015، أنه “ظهرت بعض التقارير التي أفادت بأن جماعة داعش أرادت تغيير المناهج الدراسية، وكان هذا أحد أسباب الإغلاق، ولكن بعض المدارس اضطرت إلى إغلاق أبوابها بسبب انعدام الأمن الناجم عن استمرار الهجمات”.

وفي شباط/فبراير 2015، أجبر تنظيم داعش العائلات السورية في مناطق سيطرته على إرسال أطفالهم إلى مدارسه التي باشر بفتحها بعد تعديل المناهج التربوية فيها، وتولية القيادي فيه “ذو القرنين” مسؤولا عن “ديوان التعليم”.

ومارس داعش بحق المعلمين في المدارس انتهاكات كانت صادمة لسكان المناطق التي سيطر عليها سابقا، ومنها ضبط أحد مدرسي اللغة العربية بتهمة “جرم تدريس المناهج الكفرية”، حيث كان يعطي دروساً خصوصية لعدد من أبناء جيرانه في بيته بأسعار رمزية، فقام عناصر داعش بإخراجه إلى الشارع وجلده أمام طلابه وجيرانه.

كما تم احتجاز المدرّس في مقر الحسبة لمدة ثلاثة أيام وحجز هويته الشخصية، وتم إجباره على حضور دورة شرعية لمدة 15 يوماً، لكنّ المدرّس وبعد انتهاء الدورة، اضطر لبيع بيته بنصف ثمنه، وسافر إلى تركيا بحثاً عن طريق للهجرة إلى أوروبا.

ولم تقتصر ممارسات داعش وانتهاكاته على المدرسين فقط، بل امتدت إلى طلاب المدارس كذلك، حيث ضبط عناصر التنظيم طالباً في الصف الحادي عشر وبحوزته ملخصاً لمادة علم الأحياء واقتادوه إلى مقر الحسبة وجلدوه، ثم استدعوا والده واحتجزوه يوماً كاملاً، كما صادر التنظيم البطاقة الشخصية للأب والابن حتى يلتحق الابن بدورة شرعية يتعرف من خلالها على أسباب عدم جواز دراسة المناهج التي يعتبرها التنظيم كفرية.

وتعرضت صفاء، وهي طالبة من سكان الرقة في السنة الأخيرة في كلية التربية بجامعة دمشق، للتضييق من قبل تنظيم داعش، حيث لم يتبقَ لها سوى اجتياز امتحان مادة واحدة قبل التخرج.

وحاولت صفاء السفر إلى دمشق مرتين دون جدوى، وفي المحاولة الثالثة تم إنزالها من الحافلة مع أبيها الذي كان يرافقها. وصادرت عناصر داعش بطاقتها الجامعية وبطاقتها الشخصية، وجلدوا أباها وأجبروه على توقيع تعهد على نفسه وعن ابنته بعدم محاولة إخراجها من الرقة مرة أخرى.

وكان للأطفال في مرحلة الروضة نصيب من تلك الانتهاكات، حيث عرض التنظيم على أطفال صغار في رياض الأطفال مشهداً مسرحياً يمجد المعارك التي خاضها التنظيم. كما تقمص أحد عناصر داعش دور ممثل في حفل أقاموه للأطفال في ساحة الروضة في عيد الأضحى عام 2014.

وعندما سألت الصغيرات عن حجاب الدمية، روى لهم أحد الدواعش نسخة معدلة من قصة “ليلى والذئب” التي تعرفها الصغيرات، قائلاً “هذه ليلى، هل تعرفون قصة ليلى والذئب؟ مشيراً إلى أن ليلى لم يأكلها الذئب لأنها تضع الحجاب”، وفق مصادر بحثية.

وحول تلك الممارسات، قال الكاتب السياسي فراس علاوي أحد أبناء المنطقة الشرقية لمنصة SY24، إن “المنطقة وقبل دخول تنظيم داعش إليها شهدت حرباً ومعارك واشتباكات بين النظام السوري والجيش السوري الحر ثم جبهة النصرة، وبعد تلك الفترة وقبل دخول داعش إليها كان هناك محاولات بسيطة لإعادة هيكلة التعليم في المناطق، حيث بدأت مؤسسات تعليمية صغيرة بالظهور”.

ولفت إلى المخاوف التي كانت تسيطر على الأهالي من إرسال أطفالها إلى المدارس خلال فترة تنظيم داعش شرق سوريا، ومن أجل ذلك كانت أعداد الطلاب قليلة جداً في المدارس بسبب خوف ذويهم من سياسة التنظيم ومناهج التعليم الخاصة به.

وفي عام 2016، نشر “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” مقالاُ، أوضح فيه أن أحد الأهداف الرئيسية للنظام التعليمي لداعش هو الحفاظ على الطابع الإسلامي للتنظيم. وكان الهدف الأساسي هو رد أبناء الأمة الإسلامية إلى جهاد التوحيد تحت راية الخلافة، لذلك، سعى التنظيم إلى إعداد جيل من المجاهدين يتمتعون بالقدرة الجسدية والعقائدية والفكرية والترويج لأيديولوجيته التي تمجّد العنف والتطرف للقيام بعملياته الإرهابية، حسب المقال.

وذكر “معهد واشنطن” أنه “فيما يتعلق بمادة القراءة ضمن المناهج التي فرضها تنظيم داعش، تم استخدام نصوص غنية بالرمزية العسكرية تهدف إلى تأطير مفاهيم معينة، فكان على الطالب حفظ معلومات تتعلق بأنواع الأسلحة الشائعة، وأركان الإسلام، والآيات القرآنية، والفروق بين الرجال والنساء، والهزيمة الحتمية للكفار، كما شملت مادة القراءة واجب الجهاد، وصفات المسلم، والنظافة، وطاعة الله والرسول، وقيمة الشهادة.

وشهدت حقبة تنظيم داعش آنذاك خطف المعلمين والطلاب وتعريضهم للتعذيب أو القتل، ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد سن معينة. وفي هذا الجانب، قال عمر الصران أحد أبناء الرقة ومن المهتمين بقطاع التعليم والثقافة لمنصة SY24، إن “سيطرة داعش أدت إلى إيقاف العملية التعليمية بشكل كامل، حيث اقتصر التعليم على العلوم الشرعية والقرآن والأحكام التي يملونها على الأطفال، بالإضافة إلى الدورات الشرعية”.

وأضاف “بدأ داعش بالتضييق على المؤسسات التعليمية من فرض اللباس الشرعي ثم فصل الإناث عن الذكور ومنع الاختلاط مع التعرض لأقسى العقوبات، بعد ذلك تطور الأمر إلى الطلب من المعاهد والمؤسسات التعليمية بتدريس مناهج داعش أو الإيقاف عن العمل”.

وأكد الصران أن القطاع التعليمي في منطقة شمال شرقي سوريا ما زال يحتاج إلى دعمٍ وإعادة تأهيل من قبل المجتمع الدولي، علماً أن الإدارة الذاتية مع المنظمات الإنسانية رممت وأعادت تأهيل الكثير من المدارس، كما يمكن للمجتمع الدولي أن يتيح فرصة لاستقبال الطلاب الذين يدرسون في مدارس الإدارة لإكمال تعليمهم خارج البلاد، لافتاً إلى أن بداية العمل لإعادة القطاع التعليمي كانت انطلقت من المنظمات الدولية، حسب تعبيره.

بعد دحر تنظيم داعش من المناطق التي كان يسيطر عليها في شرق سوريا، لا تزال الجهود الدولية من المجتمع الدولي والأمم المتحدة مستمرة حتى اليوم لإعادة إنعاش قطاع التعليم، حيث تعمل المنظمات الدولية بالتعاون مع الجهات الخدمية والمدنية والمجتمع المحلي على إعادة بناء المدارس والبنية التحتية، وتدريب المعلمين، ورفع مستوى جودة التعليم في المناطق المتضررة، وتوفير الدعم النفسي للطلاب والمعلمين، إضافة إلى توفير الإمكانيات والموارد اللازمة لتعزيز العملية التعليمية. وتعد الولايات المتحدة من أكبر المتبرعين الماليين للمنظمات الإنسانية والدولية.

الجدير ذكره، أنه بعد تحرير الرقة من تنظيم داعش في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، تم تشكيل مجلس الرقة المدني التابع لقوات سورية الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، وعلى الفور كان قطاع التعليم وترميمه على رأس أولويات المجلس بدعم من التحالف ومنظمات دولية أخرى، حيث تم تفعيل 251 مدرسة لمرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول الابتدائي إلى الصف التاسع الإعدادي.

وفي العام 2019، أفاد مسؤول في لجنة التعليم التابعة لمجلس الرقة المدني، أنه تم إعادة تأهيل 322 مدرسة في الرقة، إضافة إلى ترميم 60 مدرسة ترميماً كاملاً موزعة على الريف والمدينة، وترميم 61 مدرسة ترميماً جزئياً

وفي 2019، بدأت لجنة التربية والتعليم في مدينة الرقة السورية، بفتح باب التسجيل أمام الطلاب والمدرسين للالتحاق بالمدارس مع بداية العام الدراسي (2019-2020)، وذلك بعد أن قامت اللجنة بإعادة ترميم وتأهيل غالبية المدارس بدعم من التحالف الدولي ومنظمات دولية أخرى.

يشار إلى أنه حتى العام 2022، كان هناك جهود متواصلة من منظمات مدنية مدعومة دوليا، بهدف إعادة تأهيل عدد من المدارس شرق سوريا. وفي العام 2023، أعلنت لجنة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية في الرقة، أنها رممت وبدعم من التحالف الدولي 201 مدرسة بشكل جزئي، و91 مدرسة بشكل كامل.

وحتى العام 2023، بلغ عدد مدارس الرقة 397 مدرسة، منها 307 مدارس ابتدائية، و35 مدرسة إعدادية و3 مدارس ثانوية و52 مدرسة متعددة في المحافظة، حسب تقارير متطابقة. بالمقابل لا تزال 27 مدرسة مدمرة بالكامل في المدينة، و31 مدرسة في الريف، في حين أن 122 مدرسة أخرى تحتاج إلى ترميم في الرقة وريفها.