في حي الفرقان بمدينة حلب، يقف عادل أبو هيثم أمام بسطته مناديًا: “صراف، صراف.. دولار، تركي، يورو”،
محاولًا جذب القادمين الجدد إلى المدينة بعد سقوط نظام الأسد، لتصريف ما بحوزتهم من عملات أجنبية.
تصريف العملات الأجنبية كان محظورًا في عهد النظام السابق، حيث كانت حيازة الدولار تهمة قد تؤدي إلى السجن،
بينما تعرض حاملوه للابتزاز والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، التي كانت تفرض عليهم إتاوات باهظة مقابل إطلاق سراحهم.
عادل، الذي كان يعمل سابقًا في بيع المنتجات الغذائية، قرر تغيير مهنته نحو تصريف العملات الأجنبية بسبب العائد المالي المرتفع. يقول لمنصة “سوريا 24” إنه يحقق من عمله الحالي نحو 60 دولارًا يوميًا، أي ثلاثة أضعاف راتب موظف حكومي شهريًا.
رغم الانفتاح في قطاع الصيرفة بالمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، ما تزال المخاوف قائمة بين السكان من التعامل مع “صرافي الصدفة”، نظرًا لانتشار عمليات الاحتيال وغياب الضوابط التي تفرضها السلطات الجديدة لتنظيم السوق وحماية المتعاملين.
محمد، أحد سكان حي الجميلية، يقول لمنصة “سوريا 24” إن بعض الصرافين الجدد يشترون الدولار بسعر أقل بنحو 15% من السعر المتداول، ما يجعلهم عرضة للاتهام بالتلاعب بالسوق. كما تسود مخاوف من انتشار الدولار المزور، خصوصًا “الدولار الأبيض” القادم من تركيا، ما دفع العديد من الصرافين إلى استخدام أجهزة كشف العملات المزورة.
يبلغ حجم الحوالات الخارجية القادمة إلى سوريا يوميًا نحو 3 ملايين دولار، ما يشكل مصدرًا مهمًا لتأمين العملة الصعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة. ورغم الفوضى التي تشهدها بعض المناطق، فإن سوق الصيرفة في إدلب حافظ على القوانين الناظمة له منذ عهد حكومة الإنقاذ، التي أصبحت تسيطر على عموم البلاد، حيث ما تزال قرارات مؤسسة النقد سارية، ما يضفي استقرارًا على عمليات التحويل والتصريف.
أحمد أبو يعرب، صاحب محل الفيحاء للصرافة والحوالات في حي الجميلية، يحذر عبر منصة “سوريا 24” من التعامل مع الصرافين غير المرخصين، مؤكدًا أن هناك عشرات حالات الاحتيال التي تعرض لها المواطنون بسبب هؤلاء الصرافين، الذين لا يملكون سمعة جيدة أو حتى عنوانًا واضحًا يجعلهم موضع ثقة.
يشهد سوق الصيرفة في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا توسعًا غير منظم، حيث تسعى الحكومة الجديدة لتأمين القطع الأجنبي في ظل تراجع مخزون الليرة السورية. وقد أدى ذلك إلى مفارقة لافتة، حيث تجاوز السعر الرسمي لصرف الدولار وفق نشرة البنك المركزي سعر السوق السوداء بفارق يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة سورية، ما يعكس حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها السلطات في تحقيق استقرار نقدي فعّال.
ورغم محاولة بعض أصحاب شركات الصرافة المرخصة التقليل من تأثير انتشار الصرافين الجدد، إلا أن السوق المفتوحة بدون ضوابط قد تؤثر على الشركات والمواطنين على حد سواء.
مصدر في شركة الهرم، فضل عدم نشر اسمه، يقول لمنصة “سوريا 24” إن العاملين الجدد في السوق كانوا في الغالب مجرد مندوبي تسليم في السابق، ويعتمدون على السوق الأوروبية، بينما تعتمد شركات الصرافة على السوق الخليجية النظامية والمسارات الرسمية للحوالات.
بعد شهرين من سقوط نظام الأسد وإعلان أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية، لا تزال ضوابط العمل الصيرفي في سوريا غير واضحة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الانفتاح الحالي يهدف إلى تنويع مسارات وصول الدولار والعملات الأجنبية إلى البنك المركزي، ما يفسر الفارق الكبير بين السعر الرسمي والسوق السوداء، حيث يبلغ سعر الصرف الرسمي نحو 13 ألف ليرة سورية للدولار الواحد، فيما يصل سعر السوق السوداء إلى نحو 10 آلاف ليرة فقط.
ومن المتوقع أن يتم تنظيم قطاع الصيرفة في شباط/فبراير 2025، حيث يجري التفاوض بين الجهات المسؤولة وأصحاب شركات الصرافة المرخصة سابقًا. وتطالب السلطات الجديدة هذه الشركات بإعادة الترخيص مقابل وديعة تصل إلى 20 مليون دولار في البنك المركزي. لكن رغم الاجتماعات المتكررة، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن، مما يجعل مستقبل سوق الصيرفة في سوريا غير محسوم.