مزارعو الأشجار المثمرة في إدلب وريف دمشق بين فائض الإنتاج وارتفاع التكاليف

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

على الطريق الواصل بين إدلب وأريحا في ريف إدلب الجنوبي، يقف أكرم عيدة وسط مشتل الأشجار المثمرة الذي يديره منذ سنوات، متابعًا أوضاع السوق وتراجع الطلب هذا العام. يقول أكرم في حديث خاص لـ”سوريا 24” إن زراعة أشجار اللوزيات تُعدّ من أبرز الأنشطة الزراعية في إدلب، حيث كان يُصدَّرُ سابقًا الشتلاتُ إلى مناطق ريف دمشق، بينما يُباع إنتاج المحلب إلى مناطق الزبداني والقلمون وجبل الشيخ، واليوم، بعد التحرير، عادت حركة التصدير المحلي، ولكن بشكل ضعيف.

ورغم استمرار الإنتاج، فإنّ المناطق التي كانت تُعرف بكثافة زراعة هذه الأشجار، مثل الغوطة، لم تعد كما كانت بعد أن فُقدت فيها مساحات واسعة من البساتين بسبب الحرب والقصف والتهجير وحملات التحطيب الجائر التي شنّها النظامُ وعناصرُهُ على المناطق الزراعية التي سيطر عليها.

ويضيف أكرم أن شجرة المحلب تُستخدم أصلًا لتطعيم الكرز، لكنها لم تعد تلقى طلبًا كبيرًا كما في السابق، ما أدى إلى استقرار الأسعار عند مستويات العام الماضي، حيث لم يشهد السوقُ حركةَ بيعٍ نشطةً بسبب قلة الطلب ووجود فائض في الإنتاج من الموسم السابق، خاصة مع توقف عمليات التصدير.

يشرح أكرم أن هناك نوعين من الغرس؛ الأول هو “طعم الملش”، وهو الشتلة التي تُباع دون زراعة في أكياس، ويتم تصديرها إلى ريف دمشق لزراعتها هناك، وسعرها لا يتجاوز نصف دولار. أما النوع الثاني، فهو الشتلة المزروعة في أكياس، والتي تكون من إنتاج العام الماضي، ويصل سعرها إلى دولار واحد، نظرًا لارتفاع تكلفة نقلها، حيث تحتاج إلى مساحة أكبر أثناء الشحن.

يقول: يمكن لشاحنة كبيرة من نوع “إنتر” أن تنقل 20 ألف شتلة ملش، بينما لا تتجاوز حمولتها ألفي شتلة من النوع المزروع في الأكياس، ما يجعل فرق تكاليف النقل والأجور يصل إلى عشرة أضعافٍ.

ورغم استمرار الإنتاج، فإنّ الطلب لا يزال ضعيفًا، إذ لم يتمكن كثير من الأهالي المهجّرين من العودة إلى أراضيهم لزراعته، لا سيّما في ريفي إدلب وحلب، ما أثّر على عمليات الشراء هذا العام. ومع ذلك، يتوقع أكرم أن يشهد الموسم القادم طلبًا أكبر مع عودة بعض العائلات وترميم منازلها، حيث يفضّل العديد من المزارعين تأجيل زراعة الأشجار إلى حين استقرارهم مجددًا.

ويشير إلى أن موسم الزراعة يمتد من بداية كانون الثاني حتى بداية آذار، لكنه انتهى هذا العام دون حركة نشطة في السوق، فبعض المزارعين، كما يوضح، اضطروا إلى تأجيل الزراعة للعام المقبل حتى يتمكنوا من إصلاح أراضيهم وتجهيزها قبل التشجير.

أما من حيث الأسعار، فإن أغلى أنواع الأشجار حاليًا هي الجوز، والمنغا، والإجاص، بينما تُعدّ أشجار اللوزيات مثل المحلب، الكرز، المشمش، والتفاح الأرخص، حيث لا يتجاوز سعر الغرسة 20 سنتًا.

الطقس يؤثر في الإنتاج والمزارعون يواجهون تحديات إضافية

لم تكن الظروف المناخية رحيمة هذا العام، إذ تسببت قلة الأمطار في ضعف إنتاج شتلات اللوزيات، بينما أثّر الصقيع بشكل كبير على موسم الزراعة. يوضح أكرم أن انخفاض درجات الحرارة في بعض الفترات أدى إلى تلف عدد من الشتلات، وهو ما دفع المزارعين إلى التركيز على زراعة التين في بعض مناطق ريف إدلب، نظرًا لكونه أكثر مقاومة للظروف المناخية القاسية.

أبو محمود، أحد أهالي بلدة رنكوس بريف دمشق، قرر إعادة تشجير حقله بعد أن قطعها عناصر النظام وباعوها حطبًا خلال الأعوام السابقة، لتغدو اليوم أرضُهُ والأراضي المجاورة حقولًا يابسةً جرداء.

اشترى أبو محمود 150 شتلة من الكرز والمحلب والمشمش والتفاح بسعر 100 دولار، أي أن تكلفة الغرسة الواحدة بلغت نحو 70 سنتًا. لكنّ تكلفة زراعة هذه الشتلات تظل مرتفعةً، إذ تتطلب حفرَ الأرضِ باستخدام آلياتٍ زراعيةٍ مثل “الباكر”، والتي تصل أجرة الحفرة الواحدة إلى أكثر من 3 آلاف ليرة سورية.

يقول إنّه سابقًا كانت هناك آليات زراعية تابعة للقرض الألماني تساعد المزارعين بتكلفة رمزية لا تتجاوز 300 ليرة للحفرة الواحدة، لكن هذه الآليات نُقلت إلى مدينة حمص للصيانة قبل سقوط النظام، ولم يتم إرجاعها إلى قرية رنكوس حتى اليوم، ما جعل تكاليف الزراعة أعلى بكثير، وأثقل كاهل المزارعين الذين يعتمدون عليها.

جريمة بيئية في رنكوس: اقتلاع آلاف الأشجار المثمرة

في رنكوس بريف دمشق، لم تقتصر معاناة المزارعين على ارتفاع التكاليف، بل تعرضوا لخسائر فادحة بعد أن قامت قوات النظام السوري بقطع معظم الأشجار المثمرة في المنطقة، خاصةً في حقولِ التفاحِ. يروي أبو محمود، أحد المزارعين المتضررين، أن عشرات الدونمات المزروعة بالأشجار المثمرة تحولت إلى أراضٍ جرداء، ما يُعدّ واحدة من أكبر الجرائم البيئية في المنطقة.

ويضيف أن خسارته لم تكن مجرّدَ أشجارٍ، بل سنوات من العمل والانتظار حتى تنمو وتثمر، مؤكدًا أن إعادة تشجير أرضه ستتطلب تكاليف باهظة وسنوات طويلة حتى تعود إلى ما كانت عليه.

مقالات ذات صلة