يسود الهدوء الحذر بلدة أشرفية صحنايا جنوب العاصمة دمشق، بعد يوم دامٍ من الاشتباكات بين قوى الأمن العام ومجموعات محلية مسلحة، والتي انتهت بتفاهم ميداني نص على القضاء على المظاهر المسلحة، ومحاسبة المتسببين بالتوتر، وتعويض المتضررين.
ورغم عودة الحركة التجارية وانتشار عناصر الأمن بكثافة، لا يزال القلق مخيمًا بفعل تعقيدات المشهدين السياسي والأمني.
وذكر مراسل “سوريا 24” من قلب المدينة أن الحياة عادت إلى طبيعتها، وأن المحال التجارية أعادت فتح أبوابها، مشيرًا إلى انتشار دوريات الأمن في كافة المحاور.
وقال خالد محمد الحسين، مسؤول الأمن العام في صحنايا، لمنصة “سوريا 24″، إن دور القوات يتمثل في فرض السيطرة على المنطقة، وضبط الأمن، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، مشيرًا إلى أن الوزارة ندبت عددًا كبيرًا من العناصر إلى صحنايا بهدف تأمين الأمان والاستقرار وملاحقة السلاح المنفلت.
خلفيات التوتر
بدأت شرارة التصعيد في مدينة جرمانا القريبة، حين انتشر تسجيل صوتي منسوب لشيخ درزي تضمّن إساءة للرسول محمد ﷺ.
ورغم نفي المرجعيات الدينية صلته بالطائفة وتحذيرها من الفتنة، تطورت الأحداث إلى اشتباكات سقط فيها قتلى وجرحى.
هذه التطورات سرعان ما امتدت إلى أشرفية صحنايا، حيث تداخلت عوامل عرقية ومحلية ودينية، وسط انتشار جماعات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة.
التدخل الإسرائيلي
زاد من تعقيد الوضع دخول إسرائيل على الخط، حيث حلّقت طائرات استطلاع فوق مناطق التوتر، قبل أن تنفذ غارات جوية على أشرفية صحنايا.
وادعت الحكومة الإسرائيلية أن الغارات تهدف إلى حماية أبناء الطائفة الدرزية، فيما اعتبرت دمشق ذلك تدخلاً خارجيًا يسعى لتأجيج الانقسام وتعطيل مسار التهدئة.
اجتماعات وتهدئة
عُقد اجتماع موسع بين وجهاء جرمانا وصحنايا وداريا، إلى جانب محافظي السويداء وريف دمشق والقنيطرة، تم خلاله الاتفاق على نزع السلاح من الشوارع، وضبط الوضع الأمني، وضمان سلامة المدنيين.
وذكر مراسل منصة “سوريا 24” أن الأمن العام أمَّن خروج عدد من مشايخ العقل في المنطقة إلى محافظة السويداء بناء على طلبهم، دون توضيح الأسباب.
إلا أن مصدرًا إعلاميًا من السويداء ذكر للمنصة أن عددًا من مشايخ العقل، إلى جانب بعض المدنيين، غادروا المنطقة خوفًا من تعرضهم لانتهاكات على يد مجموعات غير منضبطة، مشيرًا إلى أن القادمين إلى السويداء يستخدمون طريق درعا بدلًا من الطريق التقليدي، خشية تعرضهم لعمليات قنص.
مواطنون من صحنايا
مع انحسار الاشتباكات وعودة الحياة تدريجيًا، رصدت “سوريا 24” آراء من الشارع المحلي، عكست مشاعر القلق التي خيمت على السكان، تلاها ارتياح حذر مع تراجع العنف.
وعلى الرغم من القلق الذي عاشه أبو حيان وأسرته خلال التوترات، إلا أنه أكد عودة الحياة إلى المدينة، وقال: “منذ الصباح، الشوارع عادت للحياة. المحال مفتوحة، والناس مطمئنون. نأمل أن تكون هذه الفتنة الأخيرة. عشنا 14 سنة من الألم، والبلد لا يحتمل مزيدًا من التمزق”.
وهو ما جدده تأكيده فريد عبد المجيد، مشيرًا إلى عودة الهدوء، وقال لـ”سوريا 24″: “رأيت عناصر الأمن يتعاملون بود، ويطمئنون الناس. الخسائر كانت في الزجاج فقط، لكن الحمد لله على سلامة الأرواح”.
حصر السلاح بيد الدولة
وفي السياق، قال محمد جميل مدور، مدير منطقة داريا، في تصريح لـ”سوريا 24″: إن عودة الحياة إلى طبيعتها بفضل اللقاء الذي جرى بين المحافظين الثلاثة ووجهاء المنطقة، والذي نص على سحب جميع المظاهر المسلحة، وحصر السلاح بيد الدولة، مؤكدًا أن كل من يريد خدمة بلده سيجد مكانه تحت راية الدولة، وأن الهدف من كل هذه الإجراءات هو حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
امتداد التوترات نحو السويداء
وعلى الرغم من عودة الهدوء التدريجي إلى مناطق التوتر في ريف دمشق، إلا أن التوترات امتدت إلى محيط السويداء.
وذكر الصحفي نورس عزيز عبر صفحته على “فيسبوك” أن عدة قرى في محيط السويداء (عرى، رساسة، كناكر، الصورة الكبرى) تعرضت لهجمات من مجموعات مسلحة غير منضبطة، ما أدى إلى مقتل وفقدان العشرات.
في المقابل، أفاد مصدر محلي في بلدة الصورة، المحاذية للسويداء، لمنصة “سوريا 24″، بأن الأوضاع هادئة حاليًا، مشيرًا إلى أن الاشتباكات كانت عنيفة للغاية ليل أمس، مؤكدًا على ضرورة إعلاء صوت العقل للتغلب على جميع التوترات الأمنية.
تُظهر تطورات أشرفية صحنايا حجم التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة السورية في محاولتها فرض الاستقرار، وسط تداخل محلي وإقليمي يضع البلاد أمام اختبارات دقيقة.
ورغم جهود التهدئة، تبقى المنطقة تحت رقابة مشددة، بينما يأمل السكان أن تكون هذه الأحداث درسًا في أهمية التلاحم الوطني وضرورة تحييد السلاح من الشارع السوري.