في ظل غياب أفق واضح لرفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، يطرح التساؤل نفسه بقوة: هل يمكن أن تتجه الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع نحو دول مثل الصين وروسيا لتطوير شراكات مستقبلية؟
هذا السيناريو يُنظر إليه كخيار متاح ومعقول، خاصة في ظل تصاعد المنافسة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
العقوبات الأميركية تعيق التعافي الاقتصادي السوري
ومنذ سقوط نظام الأسد السابق وتولي الرئيس أحمد الشرع زمام الأمور، خففت الولايات المتحدة وأوروبا مؤقتاً بعض العقوبات الاقتصادية، لكن هذه الخطوات لا تزال محدودة.
وحذّر الشرع مرارًا من أن استمرار فرض العقوبات يعيق جهود إحياء الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أنها فُرضت “رداً على جرائم النظام السابق”، ولا يجب أن تستمر لتكون عبئًا على الشعب السوري اليوم.
وبحسب ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الرئيس الشرع يحتاج إلى تخفيف أكبر للقيود الاقتصادية إذا أراد إعادة بناء دولة منهارة اقتصاديًا بعد أكثر من عقد من الحرب والفساد.
روسيا والصين قد تكونان البديل
في ظل هذا الفراغ، يرى الباحث والأكاديمي الدكتور عرابي عبد الحي عرابي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الحكومة السورية لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستسعى لتعزيز الشراكات مع قوى غير غربية مثل روسيا والصين:”نعم، في ظل غياب أفق واضح لرفع العقوبات الأميركية، من المرجّح أن تسعى حكومة الرئيس أحمد الشرع إلى تعزيز الشراكات مع قوى غير غربية مثل الصين وروسيا، لاعتبارات سياسية واقتصادية واستراتيجية. ولكن هذه الشراكات لن تكون كافية لتأمين تعافٍ اقتصادي شامل دون معالجة العقوبات الغربية”.
ويضيف عرابي أن موسكو تسعى لتوسيع نفوذها في شرق البحر المتوسط، مما يجعل سوريا منصة استراتيجية مهمة لها، لكنه يشير أيضًا إلى أن القدرة الروسية على تقديم دعم اقتصادي واسع تبقى محدودة، بسبب الانشغال بالصراع في أوكرانيا وتأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد الروسي.
أما فيما يتعلق بالصين، فيرى الباحث أن دمشق قد تراهن على بكين في مجال البنية التحتية والطاقة والاتصالات، خاصة إن عرضت الأخيرة قروضًا ميسرة أو مشاريع عبر شركاتها شبه الحكومية.
تحذيرات أمريكية من توسع النفوذ الروسي والصيني
على الجانب الآخر من المعادلة، أعرب عدد من المشرعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن قلقهم من التوجه السوري نحو موسكو وبكين.
وحذّر السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، من أن محدودية أو انعدام التفاعل الأمريكي مع الحكومة السورية الجديدة ستفتح الباب أمام روسيا وإيران لتوسيع نفوذهما في المنطقة مرة أخرى.
من جهتها، أكدت السيناتورة الديمقراطية جاكي روزن أن الولايات المتحدة لا يمكنها السماح للصين وروسيا بإملاء أجندتهما الإقليمية على حساب المصالح الأمريكية.
وترى دراسة من “معهد السياسة الشرق أوسطية التابع لمجلس الأطلسي” أن وجود شريك إقليمي مستقر اقتصاديًا وممتن للمساعدات الأمريكية بدلاً من أن يكون تحت الرعاية الصينية أو الروسية، من شأنه أن يعزز موقع الولايات المتحدة في دعم الأمن والتكامل الإقليمي، وفي الوقت نفسه يحد من النفوذ الإيراني.
الاعتماد على الذات: خيار استراتيجي أم مرحلي؟
من جانب آخر، يشير الباحث رشيد حوراني في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب يفرض على الحكومة السورية البحث عن حلول داخلية موازية للجهود الخارجية: “يمكن القول إن الاعتماد على الموارد الذاتية ودعم المشاريع الصغيرة أصبح ضرورة ملحة، وقد أُشير إلى هذا الأمر بشكل غير مباشر في كلمة نائب الرئيس السوري أحمد الشرع التي ألقاها بعد صلاة العيد، حيث ذكر أن العقوبات – في حال لم تُرفع – لا يجب أن تُبقينا مكتوفي الأيدي، بل يجب أن نتحرك ونعتمد على قدراتنا الذاتية، وننشئ مشاريع صغيرة من شأنها أن تساهم في النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”.
ويرى حوراني أن الجانب الثاني من الاستراتيجية السورية يقوم على “سياسة متعددة الأطراف” تهدف إلى تنويع شبكة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، واستثمار الحلفاء الإقليميين والدوليين لإيجاد مخرج للعقوبات أو فرض واقع جديد في سوريا.
وأعطى مثالاً على ذلك بخطوات ملموسة مثل تسديد السعودية لبعض ديون سوريا لدى البنك الدولي، وشحنات الغاز الكبيرة التي قدمتها قطر لتشغيل محطات الكهرباء، والخدمات التنظيمية والإدارية التي تقدمها تركيا.
هل تغير واشنطن موقفها؟
ورغم التحذيرات، تظل الإدارة الأمريكية مترددة في رفع العقوبات بشكل كامل، حتى مع تغيير القيادة السياسية في دمشق، وهذا التردد قد يُفسر بأنه نتيجة لغياب الثقة في الحكومة الجديدة، أو ربما لحسابات جيوسياسية أوسع، في حين أن استمرار هذا الموقف قد يدفع سوريا أكثر نحو المحور الروسي الصيني، وهو ما قد يعيد تشكيل خريطة التوازنات في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.
ووسط كل ذلك، تواجه سوريا تواجه تحديًا مزدوجًا: إعادة بناء اقتصاد مدمر من جهة، ومواجهة العزلة الدولية المستمرة من جهة أخرى.
وفي ظل عدم وجود بوادر واضحة لرفع العقوبات الأمريكية، يبدو أن الحكومة السورية تتجه نحو تعزيز الشراكات مع الدول التي لم تشارك في الحصار، مثل روسيا والصين، لكن هذه الخيارات ليست بدون ثمن، سواء من الناحية الاقتصادية أو السيادية، مما يجعل التوازن بين الداخل والخارج اختبارًا صعبًا لمستقبل الدولة في المرحلة المقبلة.