شكوك اقتصادية تحيط بقرار “المركزي” حول السحب

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

شكّك الخبير الاقتصادي يونس الكريم في جدوى التعميم الأخير الصادر عن مصرف سوريا المركزي، معتبرًا أنه لا يقدم حلًا فعليًا لمشكلة السيولة في البلاد، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية يستفيد منها المضاربون على حساب صغار المودعين والتجار.

وقال الكريم في تصريح لمنصة “سوريا 24” إن القرار هو استنساخ غير دقيق لتجربة “الفريش ماني” التي طُبقت في لبنان إبان أزمته المالية، مشيرًا إلى أن التعميم السوري لم يوضح بشكل صريح مصدر الأموال المشمولة به، سواء أكانت تحويلات خارجية أم ودائع داخلية، وهو ما يفتح الباب أمام الغموض واللبس في التطبيق.

أصدر مصرف سوريا المركزي، يوم الخميس 8 أيار، تعميمًا جديدًا يُلزم المصارف العاملة في البلاد بتمكين المتعاملين من سحب أموالهم من الحسابات الجارية المغذاة نقدًا، وكذلك من حسابات الودائع لأجل التي أُودعت بعد تاريخ 7 أيار الحالي، دون وضع أي سقف للسحب، وفي أي وقت يشاؤون.

وقد نُشر التعميم عبر الوكالة السورية الرسمية للأنباء “سانا”، وأوضح أن على المصارف اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتلبية طلبات كسر الوديعة قبل استحقاقها أو السحب من حساب التوفير، مع الأخذ بعين الاعتبار الخسائر الناتجة عن كسر الوديعة، مثل فقدان الفوائد.

كما شدد المصرف المركزي على ضرورة التزام البنوك بإبلاغ المتعاملين بهذه التعليمات باستخدام الوسائل المتاحة كافة، محذرًا من فرض جزاءات على المصارف المخالفة، وفق اللوائح المعتمدة من قبل مجلس الوزراء. ويأتي هذا التعميم، بحسب ما ورد في نصه، في إطار جهود البنك لتعزيز الثقة في القطاع المصرفي وتسهيل العمليات المالية اليومية للمواطنين.

تحفّظات وانتقادات على التعميم

رأى يونس الكريم أن القرار يطرح عدة مشكلات رئيسية تتعلق بطبيعة الأموال المشمولة فيه، وغياب معايير شفافة تضمن المساواة بين المودعين.

وأشار إلى أن التمييز بين الأموال المودعة بعد تاريخ 7 أيار وما قبلها يُقصي الشريحة الأوسع من أصحاب الحسابات، مما يحد من فعالية القرار في تعزيز الثقة العامة بالمصارف.

ولفت إلى أن وجود فارق كبير بين سعر صرف الدولار في السوق الموازية وسعره الرسمي المعتمد لدى البنك المركزي سيُحدث خللًا كبيرًا، حيث قد يستفيد بعض المضاربين من شراء الدولار بسعر منخفض وبيعه عبر الشيكات والتحويلات الرسمية، محققين أرباحًا قد تصل إلى خمسين بالمئة، فيما يتحمّل التجار والمودعون الصغار الخسائر الناجمة عن هذه الفجوة.

وشدد الكريم على أن القرار قد يكون موجّهًا بالدرجة الأولى إلى الخارج، في محاولة لإيصال رسالة إلى صندوق النقد الدولي بأن الحكومة السورية تسعى إلى إيجاد حلول محلية لأزمة السيولة، وتشجيع الاستثمار وإعادة الإعمار دون الاعتماد على التمويل الدولي المباشر.

لكنه أكد أن غياب العدالة الانتقالية، واستمرار العقوبات، إضافة إلى مشكلات العلاقة بين المصارف السورية والبنوك الخارجية، لا تزال تشكّل عقبات كبيرة أمام أي استثمار جاد.

رأي داعم بتحفظ

في المقابل، اعتبر الدكتور يحيى السيد عمر، الباحث في الاقتصاد السياسي، في منشور عبر صفحته الشخصية (فيسبوك) أن التعميم يُظهر توجهًا لتحسين بيئة العمل المصرفي، لكنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

وأشار إلى أن التعميم لا يشمل إلا الودائع التي أودعت بعد 7 أيار، ما يعني أنه لا يؤثر على الغالبية العظمى من أموال السوريين الموجودة داخل المصارف، وبالتالي فإن أثره سيكون محدودًا على المدى القريب.

وأوضح السيد عمر أن بناء الثقة في القطاع المصرفي لا يمكن أن يتحقق من خلال قرار واحد، بل يتطلب سلوكًا ماليًا ثابتًا واستقرارًا تشريعيًا على مدى طويل.

واعتبر أن المستثمرين لن يغامروا بإيداع مبالغ كبيرة ما دام خطر إعادة فرض القيود على السحب لا يزال قائمًا، وأنّ نجاح مثل هذا الإجراء يتطلب شفافية حقيقية في التنفيذ، وتقديم تسهيلات فعلية، بالإضافة إلى ضمانات واضحة للمودعين، لا سيما الكبار منهم، خاصة في ظل تجارب سابقة شهدت تجميد أرصدة وتحويلات، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور بالنظام المصرفي وتفاقم أزمة الثقة بالليرة السورية.

بين الرسائل الإيجابية والواقع الاقتصادي

يأتي التعميم الجديد في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري أزمة سيولة حادة، وتراجعًا كبيرًا في الثقة بالقطاع المصرفي، سواء من قبل المواطنين أو المستثمرين. وبينما ترى الجهات الرسمية أن القرار يفتح نافذة جديدة لتسهيل العمليات المالية وتحسين مناخ الاستثمار، يؤكد محللون اقتصاديون أن التحديات البنيوية العميقة، والمخاوف المتراكمة، لا تزال تحول دون أي تحول حقيقي، ما يجعل من هذا التعميم خطوة شكلية أكثر من كونه حلًا جوهريًا لأزمة السيولة في البلاد.

مقالات ذات صلة