في بلدة معرين الصليب الواقعة في منطقة مصياف بريف حماة الغربي، ما زالت الوردة الشامية تُقطف بأيدي المزارعين الذين يصرون على الحفاظ على هذه الزهرة الرمز، ليس فقط كمصدر للرزق، بل كجزء من الهوية السورية وتراثها غير المادي الذي أدرجته “اليونسكو” عام 2019 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
رسالة حب وسلام
المزارع أحمد أحمد، يعمل منذ أكثر من 18 عامًا على استخلاص منتجات الوردة الشامية بشكل يدوي تقليدي، مثل ماء الورد، وشراب الورد، ومربى الورد، مستخدمًا وسائل بدائية وبسيطة في عملية التقطير والتحضير.
يقول أحمد في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “إن هذا العمل لم يكن فقط مصدر دخل لعائلته، بل كان أيضًا “رسالة حب وسلام من سوريا إلى العالم”.
وبدأ أحمد مشروع زراعة الوردة الشامية في البلدة عام 2007، ومنذ ذلك الحين توسع المشروع ليشمل أكثر من 20 قرية في مناطق متفرقة من ريف حماة، كما امتد ليصل إلى محافظتي حمص وطرطوس، حيث تم زراعة ما يزيد عن 100 دونم بالورود الشامية، وزُوّد المزارعون بنباتات من الورود بأسعار مدعومة بهدف نشر هذه الزراعة النوعية وتطويرها.
ويترأس أحمد تعاونية الوردة الشامية في حماة، وهو يعمل ضمن جمعية “أصدقاء الورود” التابعة لمديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظة.
وتشكل هذه الجمعية إطارًا تنظيميًا يهدف إلى دعم المزارعين وتسويق المنتجات ورفع مستوى الإنتاج.
موسم القطاف: شهر العطور والنكهات
من جهته، يشير المزارع علي محمود يوسف، إلى أن موسم قطاف الوردة الشامية يستمر لمدة شهر تقريبًا، يبدأ غالبًا من 20 نيسان/أبريل حتى 20 أيار/مايو من كل عام.
وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أنه خلال هذه الفترة، تستيقظ الأسر الزراعية مع الفجر لتبدأ بتقليم الأزهار في ساعات الصباح الأولى، حيث تكون النضارة في ذروتها.
وتُستخدم الأزهار بعد ذلك في عمليات التقطير التقليدية لإنتاج ماء الورد، الذي يستخدم في صناعات غذائية وعطرية ودينية، كما يتم تحويل جزء منها إلى شراب الورد أو مربى الورد، وهي منتجات تلقى رواجًا في السوق المحلي والمجتمعي، لكنها تحتاج إلى سوق تصريف أوسع وأكثر تنظيمًا.
تحديات كبيرة واحتياجات ضرورية
ورغم الجهد الكبير الذي يبذله المزارعون، إلا أنهم يواجهون عدة صعوبات لوجستية واقتصادية تهدد استمرارية المشروع، أبرزها:
– الحاجة إلى جهاز لاستخراج زيت الورد، وهو الخطوة الأساسية في تصنيع المنتجات.
– نقص الأسمدة والمبيدات الفطرية والحشرية اللازمة للحفاظ على جودة الزهرة.
– عدم توفر آلات زراعية مثل الجرارات والعزاقات لحراثة الأرض وتجهيزها.
– الحاجة إلى أنظمة ري حديثة لتحسين الكفاءة المائية وتقليل الهدر.
– غياب مقر دائم للتعاونية يكون مركزًا للتواصل مع المزارعين وتنظيم العمل.
– توفير قروض ميسرة للمزارعين لدعم الاستثمار في هذه الزراعة النوعية.
الهدف الاقتصادي والثقافي
يؤكد أحمد أحمد أن الدافع الأول لزراعة الوردة الشامية هو تحقيق دخل اقتصادي للأسر في ظل محدودية الملكيات الزراعية، أما الدافع الثاني فهو المحافظة على التراث السوري غير المادي، وإبقاء شعلة الوردة الشامية مشتعلة كرمز للسلام والإبداع والتاريخ السوري العريق.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يحتاج مشروع زراعة واستخلاص منتجات الوردة الشامية في ريف حماة إلى دعم رسمي وشعبي أكبر، سواء من خلال توفير الدعم اللوجستي والفني، أو عبر تسويق المنتجات محليًا وخارجيًا، خاصة أنها تتميز بجودتها العالية وطابعها التقليدي الأصيل.