أعلن البيت الأبيض تمديد حالة “الطوارئ الوطنية” المفروضة على سوريا لمدة عام إضافي، استناداً إلى الأمر التنفيذي رقم 13338 الصادر عام 2004.
ويأتي هذا القرار في ظل استمرار ما وصفته الإدارة الأمريكية بـ”التهديدات غير العادية والاستثنائية” الناجمة عن سياسات الحكومة السورية، رغم التغيرات السياسية الأخيرة التي شهدتها البلاد، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة.
ويثير هذا القرار تساؤلات حول دوافعه السياسية، وتداعياته على المرحلة الانتقالية، وتأثيراته على الشعب السوري والاستقرار الإقليمي.
السياق التاريخي والقانوني
بدأت حالة الطوارئ الوطنية المفروضة على سوريا عام 2004 بقرار من إدارة الرئيس جورج بوش الابن، استناداً إلى قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان لعام 2003، وقانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية.
وجاء القرار حينها ردًّا على اتهامات للنظام السابق بدعم الإرهاب، واحتلال لبنان، والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل، وعرقلة جهود المجتمع الدولي في استقرار العراق. ومنذ ذلك الحين، تم تجديد حالة الطوارئ سنوياً، مع إضافة مبررات جديدة، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية، وقمع الشعب السوري، ودعم تنظيمات إرهابية.
في إشعاره الأخير للكونغرس، أكد الرئيس دونالد ترامب أن “الضعف الهيكلي في الحكم السوري” و”عدم القدرة على ضبط الأسلحة الكيميائية أو مواجهة التنظيمات الإرهابية” ما زالا يشكلان تهديداً مباشراً للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية.
وأشار إلى أن هذه الظروف تستدعي استمرار حالة الطوارئ بعد 11 أيار/مايو 2025، مع التأكيد على أن القرار سيخضع للمراجعة بناءً على تطورات السياسات السورية.
المعلومات التمهيدية
تمديد حالة الطوارئ يأتي في سياق معقد، حيث تشهد سوريا مرحلة انتقالية بعد سقوط النظام السابق وتشكيل حكومة انتقالية تسعى لاستعادة الاستقرار وبناء مؤسسات ديمقراطية.
ورغم هذه التغيرات، حافظت الولايات المتحدة على نهج حذر، معتمدة على أدوات قانونية واقتصادية، مثل العقوبات، لمراقبة الأوضاع الأمنية والسياسية.
وسبق أن مدّد الرئيس السابق جو بايدن حالة الطوارئ في أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر 2024، مشيراً إلى انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام السابق، وتهديدات الاستقرار الإقليمي.
وتزامن القرار الأخير مع تحركات دبلوماسية سورية لتعزيز التعاون الإقليمي، مثل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البحرين لبحث إعادة الإعمار، والأنباء المتباينة حول اعتذاره عن حضور القمة العربية في العراق.
كما أشارت تقارير إلى جهود دول عربية، مثل السعودية، وأوروبية، مثل فرنسا، لتخفيف العقوبات، مما يبرز تبايناً مع الموقف الأمريكي.
موقف حذر من واشنطن
وحول ذلك، قال الخبير في القانون الدولي، المعتصم الكيلاني، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “إن هناك قلقاً من هذا القرار رغم انتهاء وزوال الأسباب الرئيسية، وهو النظام السابق، وبعد تشكيل حكومة انتقالية، إذ يعكس هذا القرار موقفًا حذرًا من واشنطن تجاه المرحلة الانتقالية، وأنه يُستخدم كأداة قانونية لمراقبة الأوضاع الأمنية والسياسية والحقوقية”.
وأضاف: “ومع ذلك، فإنني أرى أن استمرار هذه الإجراءات، وخاصة العقوبات الاقتصادية، بات يُشكّل عبئاً مباشراً على الشعب السوري، ويهدد جهود الاستقرار والتنمية في لحظة بالغة الحساسية، فالشعب السوري لا يجب أن يستمر في دفع ثمن السياسات السابقة، ولا أن يُعاقب في طريقه نحو بناء دولة جديدة تقوم على القانون، والمؤسسات، والحريات”.
وتابع: “وبالتأكيد، فإن جميع هذه الإجراءات يمكن أن تُرفع فوراً في حال التوصل إلى اتفاق سياسي مباشر بين الحكومة السورية الانتقالية والولايات المتحدة الأمريكية، يقوم على مبدأ الشراكة، واحترام السيادة، ودعم مسار التحول الديمقراطي”.
منظور سياسي استراتيجي
من جهته، يقدم المحلل السياسي حسام نجار، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، تحليلاً سياسياً معمقاً يركز على الدوافع الاستراتيجية وراء قرار التمديد، أن الولايات المتحدة تفرض أو تخفف العقوبات وفق مصالحها الخاصة، وتستخدمها كوسيلة للضغط على الدول لتلبية مطالبها، كما في حالة سوريا، حيث تسعى أمريكا لفرض شروطها على الحكومة السورية من خلال تمديد حالة الطوارئ، مما يعرقل التطور السياسي والاقتصادي، ويؤخر تنفيذ الإعلان الدستوري، والتحضير لانتخابات نزيهة.
ورأى أنه رغم جهود بعض الدول العربية وفرنسا لإلغاء العقوبات، واحتمال وجود مباحثات في هذا الاتجاه بين السعودية وأمريكا، أو في حديث ترامب بالخليج، إلا أن أمريكا تبقى الطرف المُقرّر. كما يشير نجار إلى أن تمديد الطوارئ جاء بعد زيارة الرئيس السوري إلى البحرين، وبرر غيابه عن القمة العربية في العراق، مضيفاً أن هناك محاولات لعدم احتكار القرار السياسي، لكن بعض الجهات واللوبيات الداخلية ساهمت في دعم تمديد الطوارئ، وهو ما يخدم السياسة الأمريكية ولا يصب في صالح الدولة السورية.
التداعيات على المستويات المحلية والإقليمية
على المستوى المحلي، يفاقم تمديد حالة الطوارئ التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الحكومة الانتقالية، ويعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية.
كما يعزز الشعور بالإحباط لدى الشعب السوري، الذي يتطلع إلى الاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية.
وعلى المستوى الإقليمي، يبرز التباين بين الموقف الأمريكي وجهود دول عربية وأوروبية لدعم التعافي السوري، مما قد يعزز التوجه السوري نحو تعزيز الشراكات مع دول الخليج وأوروبا.
ويمثل تمديد حالة الطوارئ الأمريكية مؤشراً على استمرار النهج الحذر من واشنطن تجاه التطورات في سوريا، مع الاعتماد على أدوات قانونية واقتصادية للضغط على الحكومة السورية الجديدة.