ما زالت مدينة تدمر التاريخية، وسط سوريا، تعاني من الآثار المدمرة لسنوات الصراع، حيث تحولت أطراف المدينة ومناطق البادية المحيطة بها إلى ما يشبه “حقول الألغام”، نتيجة التواجد العسكري المتعدد الجنسيات والميليشيات المسلحة التي احتلت المنطقة في مراحل مختلفة من الحرب.
وبحسب ما ذكر زاهر السليم، عضو اللجنة المدنية في مدينة تدمر في حديث لمنصة سوريا ٢٤، فإن انتشار الألغام والمخلفات الحربية لم يكن محصوراً في مكان واحد، بل طال كل الجهات المحيطة بالمدينة.
وقال السليم: “كانت الألغام منتشرة في أطراف تدمر من كل الجهات، بسبب وجود قوات متعددة الجنسيات مثل الأفغانية والإيرانية والعراقية، إضافة إلى ميليشيات النظام السوري”.
وأضاف أن هذه التنظيمات كانت تزرع المناطق المحيطة بمواقعها بالألغام بهدف الحماية الذاتية أثناء سيطرتها على المدينة.
من جهته، أشار محمد بهاء الدين، ناشط مدني في المنطقة في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن البادية السورية شاسعة المساحة وشهدت تناوب السيطرة بين جهات متعددة، منها تنظيم داعش والميليشيات الإيرانية وفصائل أخرى، ما ساهم بشكل كبير في تزايد زراعة الألغام في تلك المناطق الصحراوية الشاسعة، مما جعل التنقل فيها خطراً للغاية حتى اليوم.
وتشير المعلومات أيضًا إلى أن الطريق الرابطة بين تدمر وكل من دمشق وحمص ودير الزور كانت مقطوعة بعشرات القطع العسكرية المنتشرة على طولها، مصحوبة بمعدات ومتفجرات تركت خلفها مخلفات حربية أصبحت تهديداً قائماً للسكان العائدين أو النازحين الراغبين بالعودة.
ولا يقتصر الخطر على الأماكن المفتوحة فحسب، بل طال أيضاً المنطقة الأثرية ومحيطها، حيث حولتها روسيا والمليشيات غير السورية، إضافة إلى ميليشيات الأسد، إلى ثكنة عسكرية مفتوحة، نظراً للأهمية الجغرافية والاقتصادية لتلك المدينة القديمة، والتي تمثل نقطة استراتيجية في وصل ما كان يعرف بـ”الهلال الشيعي” من إيران إلى العراق وسوريا.
وحول عدد الألغام المنتشرة في المنطقة، أكد زاهر السليم أنه لا توجد إحصائية واضحة عن الكم الفعلي، لكنه أوضح أن الحديث يمكن أن يدور عن “عشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة بأنواعها، بما في ذلك الألغام الروسية والإيرانية والصناعية المحلية”، إضافة إلى مخلفات السلاح والآليات العسكرية المتناثرة في أنحاء المدينة وبادية تدمر.
أما فيما يتعلق بعدد الضحايا، فقد تحدث السليم عن “ما بين 20 إلى 30 ضحية مدنية، من أبناء تدمر ومناطق البادية عموماً، قضوا في فترات متباينة منذ بداية تحرير المدينة”، مشيراً إلى أن كثيراً منهم كانوا ضحايا لانفجارات غير مقصودة، سواء أثناء التنقل أو العمل الزراعي أو تمشيط المناطق.
وفي مستشفى تدمر الوطني، ذكر محمد بهاء الدين أن عدد الحالات التي استقبلها المستشفى بلغت نحو 50 إصابة ناتجة عن انفجار الألغام، بالإضافة إلى وفاة 6 من عناصر الفرق المختصة بإزالة الألغام خلال قيامهم بأعمال التطهير.
ورغم الجهود المبذولة من قبل فرق محلية وجهود دولية متقطعة لإزالة بعض المواقع، إلا أن الحاجة إلى دعم أوسع وأكثر تنسيقاً تبقى ملحة، لتأمين عودة آمنة للمدنيين وإعادة إعمار المناطق المتضررة دون تهديد حياتهم اليومية بمخاطر خفية قد تنفجر في أي لحظة.