منذ بداية عام 2025، يعيش موظفو محافظة الحسكة، بجميع قطاعاتهم التربوية والإدارية والخدمية، أزمة حقيقية بسبب الانقطاع التام أو غير المنتظم في صرف الرواتب. آلاف الموظفين، من معلمين وعاملين في الدوائر المدنية، يعيشون ظروفاً اقتصادية ضاغطة نتيجة غياب الرواتب منذ عدة أشهر، في ظل غياب آلية واضحة وثابتة تضمن حصولهم على حقوقهم المالية.
أم أحمد، معلمة في مدرسة حي المطار بمدينة القامشلي، توضح لسوريا 24 أن النظام السوري السابق قام بصرف نصف راتب فقط لكل المعلمين عن أشهر أيلول، تشرين الأول، تشرين الثاني، وكانون الأول من عام 2024، وذلك قبل سقوطه في 8 كانون الأول 2024. وكان من المفترض أن يتم استكمال صرف النصف الآخر في بداية العام الجديد، إلا أن هذا لم يتحقق بسبب سقوطه، وتقول: “منذ ذلك الحين، لم نتقاضَ أي راتب، رغم أننا قمنا بتحديث بياناتنا أكثر من مرة، وأرسلنا كل ما طُلب منا من أوراق ثبوتية وتسجيل على تطبيق شام كاش، لكن دون أي نتيجة”.
هذا الواقع لا يقتصر على المعلمين فقط، بل يشمل كافة موظفي محافظة الحسكة، بما فيهم العاملون في دوائر النفوس، والمياه، والكهرباء، والصحة، والاتصالات، حيث لم تُصرف الرواتب لغالبية هؤلاء الموظفين منذ نهاية عام 2024. أبو ياسر، موظف في دائرة النفوس بالقامشلي، يقول لمنصة سوريا 24: “لم أستلم راتبي منذ شهر كانون الأول لعام 2024، وأنا وزوجتي – وهي أيضاً موظفة حكومية – قمنا بكل ما طلبته الجهات المعنية في الحكومة السورية الجديدة من تحديث بيانات وتسجيل عبر شام كاش، لكننا حتى اليوم لم نتقاضَ ولا ليرة واحدة. نحن نعيش على الأمل فقط، وكل يوم يزيد الضغط علينا أكثر”.
المعتمدون، دير الزور، وتكاليف إضافية
مع بداية شهر أيار/مايو 2025، بدأت عملية صرف الرواتب لعدد محدود من الموظفين، ولكن عبر آلية معقدة ومكلفة. يتم إرسال أربعة معتمدين أسبوعياً إلى مدينة دير الزور لاستلام رواتب الموظفين المرتبطين بمناطقهم، ثم يعودون لتسليمها يدوياً. هذه العملية تتضمن اقتطاع 50 ألف ليرة سورية من كل راتب كبدل أجور نقل وخدمة للمعتمد، وهو ما أثار استياءً واسعاً بين الموظفين، خصوصاً أن الرواتب لا تتجاوز 500 إلى 550 ألف ليرة سورية شهرياً.
بعض الموظفين اضطروا للتوجه شخصياً إلى دير الزور لاستلام رواتبهم، عبر سيارات مستأجرة وبشكل جماعي، في محاولة لتقليل التكاليف أو تسريع العملية. وفي تطور لاحق، وعدت مديرية التربية بتوفير الرواتب محلياً في الحسكة والقامشلي، مقابل خصم قدره 10 آلاف ليرة فقط، وهو ما اعتبره البعض خطوة إيجابية، رغم استمرار بطء التنفيذ.
مراسل “سوريا 24” يوثق الواقع في القامشلي
مراسل “سوريا 24” توجه مؤخراً إلى مديرية البريد في مدينة القامشلي لتقصي الوضع عن قرب، فوجد المبنى مغلقاً. وأمام المبنى، كان يقف موظفان متقاعدان قالا إنهما لم يستلما أي راتب منذ شهرين قبل سقوط النظام. وأعربا عن خيبة أملهما من غياب التواصل الرسمي وعدم وجود أي جهة تتابع ملفاتهم أو تطمئنهم بشأن موعد الصرف.
سيطرة قسد تعقّد المشهد الإداري
يُذكر أن الدوائر الحكومية في محافظة الحسكة، لا تخضع حالياً للسيطرة الفعلية للحكومة السورية، إذ تقع ضمن مناطق النفوذ التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). هذا الواقع السياسي المعقد يخلق فجوة إدارية وتنظيمية بين موظفي المحافظة والوزارات المركزية في دمشق، ما يزيد من تعقيد إجراءات صرف الرواتب ويُضعف فاعلية أي خطط حكومية لإيصال الرواتب بشكل منتظم.
في ظل هذه الأوضاع، يزداد القلق بين موظفي المحافظة، الذين باتوا يشعرون بأنهم متروكون دون حماية مالية أو ضمانات، وسط غياب أي جدول زمني واضح لصرف الرواتب أو تحسين الوضع الإداري.