تصدر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من العاصمة السعودية الرياض إلغاء كافة العقوبات المفروضة على سوريا واجهة الأحداث الدولية والعربية والإقليمية، في خطوة غير مسبوقة سوف تُلقي بظلالها على الواقع السوري الذي يعاني من ضغوطات اقتصادية وبنية تحتية مدمرة نتيجة ما خلّفه نظام الأسد السابق، مما يمهد الطريق أمام الدول لضخ المساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار.
أهمية هذا القرار على الصعيد السياسي
وأعلن الرئيس ترمب القرار خلال كلمته في القمة الخليجية الأميركية، التي أعقبت اجتماعًا رباعيًا جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأكد أن الولايات المتحدة بدأت خطوات عملية لتطبيع العلاقات مع الإدارة السورية، كاشفًا عن استعداد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لعقد لقاء قريب مع نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا.
وقال ترمب: “بعد اجتماعي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومحادثاتي مع الرئيس أردوغان والقيادة السورية، قررت رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، لمنحها فرصة حقيقية لانطلاقة جديدة”.
مرحلة جديدة من الانفتاح السوري
ويرى رئيس المجلس الأمريكي السوري، فاروق بلال في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن هذا القرار يمثل بداية حقبة جديدة لسوريا، مؤكدًا أن البلاد عانت لعقود من عزلة سياسية ودبلوماسية خانقة بفعل العقوبات الأميركية والدولية، على رأسها قوانين مثل “قيصر” و”ماغنيتسكي”.
وأوضح أن سوريا، التي كانت تُعتبر لعقود “دولة منبوذة” في المحافل الدولية، باتت الآن تفتح صفحة جديدة من الانفتاح على الغرب.
وأضاف بلال أن “القرار ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة، ليس فقط على المستوى السياسي، بل حتى على الصعيد الشعبي”، مشيرًا إلى الاحتفالات التي شهدتها شوارع المدن السورية فور إعلان القرار، والتي اعتبرها تعبيرًا عن أمل جديد في مستقبل أفضل.
التأثير السياسي والاقتصادي للقرار
من الناحية السياسية، يمثل قرار ترمب سابقة يمكن أن تدفع دولًا أخرى إلى تبني خطوات مماثلة في رفع العقوبات عن سوريا والانخراط في عملية إعادة الإعمار.
ويُرجّح أن يُشكّل هذا التحوّل دافعًا للعديد من القادة الغربيين لعقد لقاءات مباشرة مع المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم الرئيس أحمد الشرع.
أما اقتصاديًا، فإن رفع العقوبات سيفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في البنية التحتية والخدمات، وهو ما تعتبره الحكومة السورية أولوية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد المتوقف منذ أكثر من عقد.
أنواع العقوبات ومسارات رفعها
وأشار بلال إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا تنقسم إلى ثلاث فئات:
– العقوبات التنفيذية التي يمكن للرئيس إلغاؤها مباشرة، كما فعل ترمب.
– العقوبات التشريعية مثل قانون “قيصر”، والتي تحتاج إلى تصويت في الكونغرس.
– العقوبات الدولية المفروضة من مجلس الأمن، والتي تتطلب توافقًا دوليًا.
ورغم أن الطريق نحو إلغاء شامل للعقوبات لا يزال طويلًا، إلا أن القرارات الرئاسية الأميركية قادرة على إحداث فرق فوري في العلاقات الدولية مع سوريا.
دعم عربي وتأييد أميركي داخلي
وفي كلمته خلال القمة الخليجية الأميركية، شدد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أهمية وحدة الأراضي السورية، مؤكدًا دعم المملكة لجهود الحكومة السورية في ترسيخ الأمن والاستقرار، واصفًا قرار ترمب بأنه “خطوة نحو التخفيف من معاناة الشعب السوري وفتح آفاق جديدة للتنمية”.
كما أصدرت قيادة التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار (SAAPP) بيانًا كشفت فيه عن دعم عدد من كبار المسؤولين في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركي للقرار، مؤكدين التزامهم بدعم الشعب السوري في مسيرته نحو التعافي.
وقال المحلل السياسي، زكريا ملاحفجي في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “يُعتبر رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خطوة محورية نحو إعادة دمج دمشق في المجتمع الدولي، بعد سنوات من العزلة نتيجة الحرب، واللقاء بين ترامب والشرع في الرياض، بحضور ولي العهد السعودي ومشاركة أردوغان عبر الإنترنت، يُشير إلى توافق إقليمي ودولي على دعم الحكومة السورية الجديدة”.
ورأى أن القرار يُمهّد الطريق أمام استثمارات أجنبية، خاصة من الولايات المتحدة ودول الخليج، في مجالات الطاقة والبنية التحتية. كما يُتوقع أن يُسهم في تسهيل عودة اللاجئين السوريين، وتحسين الأوضاع المعيشية داخل البلاد.
واعتبر أن رفع العقوبات يُعدّ جزءًا من استراتيجية أميركية أوسع لإعادة تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط. ترامب دعا سوريا للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع اسرائيل، إضافة إلى أن قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يُمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة السورية، وتحقيق الاستقرار.
ردّ الحكومة السورية وترحيب شعبي واسع
بدورها، رحبت الحكومة السورية بالقرار، حيث وصفه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بأنه “نقطة تحول محورية”، مشيدًا بشجاعة ترمب في اتخاذ هذا القرار التاريخي.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن الشيباني قوله إن الرئيس الأميركي “قدّم للسوريين ما لم يقدمه أسلافه”، معربًا عن أمله في أن تقود هذه الخطوة إلى اتفاق سلام تاريخي.
ووسط كل ذلك، يبدو أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل بداية لتحوّل سياسي واقتصادي واسع قد يعيد رسم خريطة العلاقات في الشرق الأوسط، ويمنح الشعب السوري نافذة جديدة للأمل في مستقبل آمن ومستقر.