حذّرت منظمة العفو الدولية من أن الفوضى المستمرة الناجمة عن تقليص التمويل الإنساني الأمريكي بشكل مفاجئ تخلق حالة خطرة من انعدام اليقين وتهدد حياة آلاف المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال وناجون من جرائم يشملها القانون الدولي، المحتجزين تعسفيًا في مخيمي الهول وروج ومنشآت احتجاز أخرى في شمال شرق سوريا.
وأكدت المنظمة في تقرير لها، أن أكثر من ست سنوات على هزيمة تنظيم (داعش) في المنطقة، لا تزال سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وبإسناد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحتجز نحو 46,500 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، بسبب الاشتباه بانتمائهم إلى التنظيم.
وقد تم حرمان غالبيتهم من أبسط حقوقهم القانونية، بما في ذلك حق الطعن في قانونية احتجازهم، كما تعرض بعضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمهينة.
أزمة تمويل تُفاقِم كارثة إنسانية
في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب تعليق المساعدات الخارجية المقدمة لمشاريع إنسانية في شمال شرق سوريا، في قرار مفاجئ وغير مخطط له، ما أدّى إلى حالة من الفوضى داخل المخيمات.
هذا القرار، الذي صدر عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، تسبب في توقف فوري لخدمات أساسية كانت تقدمها منظمات غير حكومية أمريكية، منها منظمة “بلومنت”، التي تشرف على تنسيق العمليات في مخيم الهول.
ووقعت أزمة حقيقية في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، عندما تفاجأت مديرة المخيم، جيهان حنان، بتغيب جميع موظفي المنظمة البالغ عددهم نحو 300 شخص، بينهم أفراد الأمن المسؤولون عن حماية المكاتب والمخازن.
وفي اليوم ذاته، كان من المقرر إعادة 600 عراقي من سكان المخيم إلى بلادهم، إلا أن العملية تعطّلت بسبب فقدان الوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بالسكان، مما دفع حنان إلى اقتحام مكاتب المنظمة.
وشهدت المخازن عمليات نهب طالت مواد غذائية وأساسية مثل الغاز والخبز.
وبعد أيام، منحت الحكومة الأمريكية منظمة “بلومنت” إعفاءً مؤقتًا استعادت بموجبه جزءًا من تمويلها، لكن في أبريل/نيسان، أقدمت الولايات المتحدة على قطع تمويل منظمة غير حكومية أخرى توزّع الغذاء في المخيم لمدة 24 ساعة، وهو إجراء وصفته لاحقًا بأنه كان خطأً.
خدمات صحية تتدهور وخطر التجنيد يتصاعد
بحسب آخر الإحصائيات حتى 4 آذار/مارس 2025، قلّصت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 117 مليون دولار من المساعدات الإنسانية المخصصة لمشاريع في شمال شرق سوريا، رغم إعادة جزء منها لاحقًا.
وشملت التقليصات خدمات الرعاية الصحية في مخيم الهول، مع إغلاق عدد من المراكز الصحية وتراجع عدد سيارات الإسعاف المتاحة. كما توقفت برامج إعادة تأهيل الأطفال المفصولين قسريًا عن عائلاتهم.
وأدى توقف المشاريع الإنسانية إلى تفاقم الوضع الغذائي، حيث أفاد أحد السكان في مخيم روج بأن حصتهم من المواد الغذائية زادت بنسبة الضعف، لكنها ستكون لفترة أطول تحسبًا لأي تقليصات مستقبلية.
كما أعربت ممثلة منظمات إنسانية عن مخاوف متزايدة من استخدام تنظيم الدولة الإسلامية الظروف المتردية لتجنيد أفراد داخل المخيمات، مشيرة إلى أن “نداء السكان أصبح واضحًا: ‘تعالوا وأنقذونا’”.
ومؤخرًا، نفذت سلطات الإدارة الذاتية حملة أمنية في مخيم الهول، مشيرة إلى زيادة في محاولات تهريب عائلات مرتبطة بتنظيم داعش واستمرار عمليات التجنيد.
خطة لإعادة العراقيين والسوريين خلال 2025
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، بدأت سلطات الإدارة الذاتية بالتنسيق مع الأمم المتحدة في وضع خطة لإخلاء المخيمات من العراقيين والسوريين خلال عام 2025.
ويمثل هذان الفصيلان نحو 80% من سكان مخيم الهول، أي حوالي 36,000 شخص. وتشمل الخطة أيضًا السوريين الذين ينحدرون غالبًا من مناطق كانت تحت سيطرة نظام الأسد السابق أو فصائل المعارضة المسلحة.
وقد سرّعت الحكومة العراقية وتيرتها في إعادة المحتجزين، إذ أعادت منذ بداية العام الجاري وحتى آذار/مارس أكثر من 5,600 شخص من مخيم الهول، أي ما يعادل نصف عدد العراقيين الذين أعيدوا منذ 2021.
ومع ذلك، حذّرت منظمة العفو الدولية من أن بعض المحتجزين يُنقلون إلى مراكز احتجاز في العراق، مثل مركز الجدعة، حيث وثق سابقًا تعرضهم للتعذيب والاختفاء القسري.
دعوة لتحرك عاجل وحلول مستدامة
طالبت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عاجلة لإنهاء نظام الاحتجاز غير المشروع، وقالت: “آن الأوان لوضع حد لنظام الاحتجاز غير المشروع. ومع استعداد الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري في سوريا، لا يجوز ترك سكان هذه المخيمات يواجهون مصيرهم وحدهم”.
ودعت الدول التي لها رعايا في شمال شرق سوريا إلى تسريع عملية إجلاء المدنيين، وخاصة الأطفال ومقدّمي الرعاية لهم، وضحايا الاتجار بالبشر، أما البالغون المتبقون، فيجب إخضاعهم لفحوصات أمنية لتحديد من يجب محاكمته لارتكابه جرائم دولية أو محلية، وإطلاق سراح باقي المحتجزين فورًا.
وشدّدت المنظمة على أهمية لم شمل الأطفال والشباب المفصولين عن عائلاتهم قبل نقلهم، ودعم جهود إعادة التأهيل وإعادة الدمج في المناطق الأصلية داخل سوريا والعراق.
ومع سقوط نظام الأسد السابق وتولي حكومة جديدة، وقّعت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقًا في 10 آذار/مارس ينص على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، ومن بين هذه المؤسسات مخيمات ومنشآت الاحتجاز، مما يفتح المجال أمام تغييرات محتملة في إدارة الملف.
التحديات مستمرة والعالم يشاهد
ورغم الجهود الأولية لإخلاء المخيمات، فإن التحديات تبقى كبيرة، من بينها الانقسامات السياسية، ونقص التمويل، وغياب الإرادة الدولية الكافية لمعالجة ملف المحتجزين الأجانب الذين لا يمكن إعادة بعضهم إلى بلدانهم.
وتشير التقارير إلى أن نحو 2,000 إلى 3,100 رجلاً أجنبيًا ما زالوا محتجزين، إلى جانب آلاف السوريين الذين لم يُعرضوا على القضاء.
وحذّرت المنظمة من أن استمرار الوضع الحالي يعني المزيد من المعاناة الإنسانية، وارتفاع خطر العنف والجريمة داخل المخيمات، وزيادة احتمالية عودة تنظيم الدولة الإسلامية لاستغلال الظروف المتردية.