بوابة بيروت: حيث تتحول العودة إلى سوريا من حلم إلى تعقيد

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

في لحظة كان يُفترض أن تكون انتصارًا إنسانيًا، تحوّلت رحلة العودة إلى سوريا إلى تجربة شاقة، كما يرويها الناشط والمصوّر الصحفي يلماز إبراهيم باشا، الذي تحدث لـ”سوريا 24” عن محاولة فاشلة للعودة إلى وطنه بعد تسع سنوات من المنفى الأوروبي.

قال يلماز: “بعد سقوط نظام الديكتاتور بشار الأسد في الثامن من كانون الأول، على يد قوى المعارضة السورية، تبدلت حسابات كثيرة في حياة السوريين المنتشرين في المنافي الأوروبية… كنت واحدًا من هؤلاء الحالمين.”

قرر العودة في 14 نيسان، عبر مطار بروكسل، إلى سوريا، مرورًا بلبنان. الرحلة لم تكن مجرد سفر، بل “طقس عبور روحي”، كما وصفها، محملًا بوثيقة سفر أوروبية، وذكريات الثورة، وآمال بوطن تغيّر.

يقول إنه وصل إلى مطار هنري كواندا في رومانيا، وهناك كان كل شيء طبيعيًا، لكن مع الوصول إلى مطار بيروت، بدأت المعاناة.

“هبطت الطائرة مع ساعات الفجر الأولى. كنت متعبًا، لكن الأمل لا يزال يضيء داخلي. وقفت في طابور الختم، قبل أن يظهر ضابط شاب بعصبية متوترة، يصرخ ويشير بيده كأننا قطعان لا نفهم.”

تم نقل الطابور بأكمله من مكان إلى آخر دون شرح، حتى وصل يلماز إلى شباك الختم، حيث قال كلمة “مرحبا” بابتسامة، لكنه لم يلقَ أي رد، بل تم سحب وثيقته الأوروبية بتقزز، مع سؤال وقح: “معك إثبات إنك سوري؟”

“نهض الموظف غاضبًا، نادى بصوت عالٍ: ‘سيدي! سوري!’، كأنها تهمة.”

تم اقتياده إلى مكتب جانبي، حيث تلقى معاملة أقرب إلى التحقيق الأمني. الضابط المسؤول، الذي قدم نفسه باسم حسين، بدأ بالصراخ:

“شو بدنا نعمل فيك؟ مفكر حالك جاي على سوريا؟ هيدا لبنان يا زلمة!”

ثم راح يلمّح، دون مواربة، إلى أن الفيزا تتطلب 800 دولار.

في السياق، يوضح يلماز أنه وفق التفاهمات التي كانت سارية حينها، فالسوري الذي يملك إثبات جنسية يمكنه العبور من لبنان إلى سوريا دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة مسبقة، بخلاف الركاب الآخرين. إلا أن هذه المعلومات لم تُؤخذ بعين الاعتبار.

يروي أنه شعر بأنه مستهدف، ورفض دفع أي مبلغ، مؤكدًا أنه ليس في زيارة للبنان بل عابر إلى سوريا. لكن الرد جاء قاسيًا: صودرت أوراقه، وفُتش تفتيشًا مهينًا، ثم أُعيد إلى الطائرة نفسها التي جاء بها، دون حتى أن يُسمح له بالتواصل مع السفارة السورية.

“خرجت من مطار بيروت وأنا أدرك أنني لم أغادر دولة، بل مررت بمزرعة تحكمها عصابات.”

ما لم يكن يعلم يلماز حينها، هو أن تجربته كانت مقدمة لتشريع رسمي. ففي 19 أيار 2025، أصدرت المديرية العامة للأمن العام اللبناني تعميمًا موجهًا إلى جميع شركات الطيران، ينص على عدم السماح للسوريين الراغبين بالذهاب إلى سوريا مرورًا عبر مطار رفيق الحريري، إن لم تكن لديهم إقامة صالحة لأكثر من 6 أشهر في الخارج. كما أُلزم من لا يستوفي هذا الشرط بالعودة على متن الطائرة التي قدم عبرها.

إضافة إلى ذلك، فرضت السلطات اللبنانية رسومًا قدرها مليون ليرة لبنانية (ما يعادل نحو 11 دولارًا) على كل مسافر غير لبناني يعبر الحدود البرية، في خطوة تزيد العبء المالي على السوريين، وخصوصًا أولئك الذين يعيشون ظروفًا صعبة أو غير قانونية في بلدان إقامتهم.

هذه السياسات تعرقل بشكل مباشر حرية تنقل السوريين، وتحول دون حقهم الطبيعي في العودة إلى وطنهم أو حتى عبور لبنان كنقطة ترانزيت. كما أن شرط الإقامة الطويلة غير ممكن التحقق منه في كثير من الحالات، ما يخلق حالات طرد تعسفي، ويمهد لممارسات تمييزية غير معلنة.

من خلال هذا التعميم، يتحول المطار الدولي الوحيد المتاح أمام العديد من السوريين إلى بوابة صد، بدل أن يكون ممرًا للعودة. والبدائل الأخرى، مثل الأردن، تتطلب موافقات أمنية وتعقيدات بيروقراطية لا تقل صعوبة.

رغم هذه الصدمات، لم يتراجع يلماز عن حلم العودة. قال في ختام حديثه لـ”سوريا 24“: “لم أفقد الأمل. سوريا التي حلمت بها لا تزال في قلبي. وسأعود. لكن هذه المرة، من بوابة الأردن، بعد أن حصلت على الموافقة الأمنية والتأشيرة.”

مقالات ذات صلة