بعد خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد، ما تزال بلدة زملكا في الغوطة الشرقية تعيش على هوامش جهود التعافي، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية وتراجع في الاستجابة الرسمية والمنظمات الإنسانية. ورغم عودة آلاف السكان تدريجيًا، فإن البنية التحتية المتهالكة، وشبكات المياه والكهرباء شبه المنهارة، والواقع التعليمي والصحي المتردي، تجعل من الحياة اليومية
في البلدة اختبارًا مستمرًا للصبر والاحتمال.
منصة سوريا 24 أجرت تحقيقًا ميدانيًا استمعت خلاله إلى أصوات السكان، وتفاصيل معاناتهم، وتطلعاتهم لمرحلة ما بعد الحرب، في بلدة تحاول النهوض من تحت الركام، بينما الوعود بالإعمار ما تزال مؤجلة.
خدمات معدومة ومياه تحت السيطرة الخاصة
قال محمد العبد (أبو غسان)، 56 عامًا، وصاحب محل “كومجي” في زملكا، لمنصة سوريا 24، إن الوضع الخدمي “سيئ للغاية”، مشيرًا إلى أن البلدية “غائبة فعليًا”، والخدمات تقتصر على جهود فردية من الأهالي.
وأوضح: “المياه قليلة جدًا، وهناك أحياء مخدّمة بالكامل، بينما شارعي من موقف الاتحاد حتى عين ترما التحتاني خارج التغطية. صاحب البئر يحدد كمية المياه ويطلب 200 ألف ليرة شهريًا. الشوارع محفّرة، ولا يوجد عمال نظافة… نحن من ننظف الحي بأنفسنا”.
كما انتقد ما وصفه بـ”سوء إدارة موارد البلدية”، مشيرًا إلى أن رئيس البلدية “استخدم الزفت لصنع مطبّات أمام منزله”، بينما تبقى باقي الشوارع على حالها.
وأكد العبد لمنصة سوريا 24 أن زملكا تفتقر إلى أي كادر تعليمي حقيقي، قائلًا: “لا يوجد تعليم فعلي، المدارس تحتاج إلى ترميم، ولا يوجد من يدير العملية التعليمية بكفاءة. حتى من حاولوا العودة لتدريس أبنائهم، غادروا مرة أخرى”.
أوضاع معيشية متقلبة وسوق عقاري راكد
من جهته، أوضح عماد باكير، 57 عامًا، صاحب مكتب عقاري في البلدة، أن الوضع المعيشي “وسط”، لكنه يلفت إلى تفاوت واضح في وصول المياه بين الأحياء، مؤكدًا لمنصة سوريا 24 أن “الحركة العقارية متوقفة بالكامل، لا بيع ولا شراء، والإيجارات مرتفعة جدًا بسبب قلة العرض”.
وأضاف: “الكهرباء تأتي ساعة كل أربع ساعات، وهناك فقط طبيب واحد في المستوصف، والطرقات في حالة يُرثى لها”.
تفاؤل حذر رغم انقطاع الموارد
بدوره، قال محمد عدنان منلا، 70 عامًا، في حديثه لمنصة سوريا 24: “ما في عملة، ما في مصاري، الشغل متوقف، والناس تنتظر الفرج. إيجارات البيوت وصلت إلى مليون ونصف ليرة. ومع ذلك، نحن متفائلون بإزالة العقوبات”.
وأشار إلى أن الأهالي بدأوا بحفر الآبار يدويًا للوصول إلى المياه على أعماق تصل إلى 50 مترًا، في ظل غياب كامل للاستجابة الحكومية.
وصرّح محمد دحلا، 50 عامًا، دلال عقاري، لمنصة سوريا 24: “تعبنا من كل شيء، الغبار، الحفر، انقطاع الكهرباء والمياه… حتى الهواء في زملكا متعب. لا تمرّ بشارع إلا وتُصدم بآثار الدمار أو تستعيد ذكريات المجازر والقصف المكثف”.
بنية تحتية مدمّرة ومشاريع متوقفة
أوضح المهندس ثائر إدريس، في حديثه لمنصة سوريا 24، أن الواقع الخدمي في زملكا لا يختلف عن باقي بلدات الغوطة الشرقية، مشيرًا إلى أن البلدة تعرضت لقصف كيماوي، وتفجيرات مدمّرة، وعدة حملات عسكرية، ما تسبب في انهيار واسع بالبنية التحتية.
وقال: “شبكة المياه قديمة، وتعاني من فاقد كبير، والمضخات غير كافية لتغطية كامل المدينة. خزان المياه بحاجة إلى ترميم، ويعتمد السكان على آبار عشوائية حفروها على عمق 50 مترًا، مما يشكل خطرًا على الشبكة الأصلية”.
وأضاف: “كان هناك مشروع لتجديد شبكة المياه قبل سقوط النظام، لكنه توقف بسبب الفساد. وخلال زيارتنا الأخيرة لمؤسسة المياه، تلقينا وعودًا بتمويل المشروع ضمن موازنة 2025”.
شبكة كهرباء شبه منهارة ومدارس غير كافية
وأشار إدريس إلى أن شبكة الكهرباء مدمّرة بنسبة 80%، وقال: “رغم تفعيل محطة سنجار وتحسّن التغذية جزئيًا، فإن ساعات التشغيل لا تكفي، ونحتاج إلى استبدال الخطوط وتأمين نحو 300 عمود كهربائي. الطوارئ لا تملك إمكانيات، والمجلس المحلي يعاني من ضعف التمويل”.
قال إدريس إن البلدة تضم مدارس مفعّلة حاليًا، لكنها بحاجة إلى ترميم شامل، في حين لا تزال ثانوية زملكا للذكور مغلقة، ما يفرض عبئًا على المدارس الأخرى ويدفع بعض الطلاب للدراسة خارج البلدة.
وأضاف: “عدد السكان تضاعف بعد سقوط النظام من 10 آلاف إلى نحو 50 ألفًا، وهذا ضغط هائل على قطاع التعليم. نحاول تثبيت مركز امتحاني للإعدادية، لكن لم نحصل على موافقة حتى الآن”.
قطاع صحي محدود وأسعار إيجارات مرتفعة
أوضح إدريس أن البلدة تعتمد على مستوصف وحيد يقدم خدمات اللقاح والفحوص الأساسية فقط، دون وجود أي خدمات طوارئ. وطالب بتوفير سيارة إسعاف مناوبة.
وفي ما يخص السكن، أشار إلى أن عقود الإيجار يتم تنظيمها عبر المجلس المحلي، وتتراوح الأسعار بين 500 ألف ليرة للمنازل العشوائية، وتتجاوز 1.5 مليون ليرة للمنازل المنظمة، في ظل عودة كثيفة للسكان.
تعد زملكا من أبرز بلدات الغوطة الشرقية التي شهدت محطات مفصلية في الثورة السورية. منذ انخراطها في الحراك السلمي عام 2011، تعرضت البلدة لاقتحامات أمنية متكررة. وفي 30 حزيران/يونيو 2012، وقعت مجزرة مروعة خلال تشييع أحد الشهداء، حين انفجرت سيارة مفخخة، ما أدى إلى مقتل نحو 240 شخصًا.
وفي آب/أغسطس من العام نفسه، ارتُكبت مجزرة أخرى خلال اقتحام مباشر، راح ضحيتها أكثر من 70 مدنيًا. أما الحدث الأبرز فكان في 21 آب/أغسطس 2013، حين استُهدفت البلدة بغاز السارين ضمن الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية، ما أدى إلى مقتل المئات، أغلبهم من النساء والأطفال، عقب ذلك، عانت زملكا من حصار خانق حتى عام 2018، تلاه تهجير قسري، ثم عودة تدريجية بعد سقوط النظام.
رغم تجاوز عدد سكانها قبل الثورة 180 ألف نسمة، لا تزال زملكا تُصنّف إداريًا كبلدة، وتفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الخدمية. وبينما يحاول الأهالي استعادة حياتهم، تبقى المدينة شاهدة على مجازر ومآسٍ لم تندمل.