نظمت عائلات المعتقلين والمغيّبين قسراً من مدينة سلمية وريفها فعالية رمزية بعنوان “خيمة الحقيقة”، وذلك في دوار العلم بمدينة سلمية.
تأتي هذه المبادرة كخطوة جديدة ضمن جهود مستمرة لإحياء ذكرى الضحايا المفقودين، وإيصال صوت العائلات إلى الداخل والخارج السوري، ومطالبة الجهات المعنية بكشف مصير أحبائهم.
مبادرات شعبية لنصرة قضية إنسانية وطنية
“خيمة الحقيقة” هي مبادرة تطوعية انطلقت في مناطق سورية مختلفة، بهدف خلق مساحات حرة للعائلات لتنظيم نفسها وتحديد مطالبها، ودعم بعضها البعض في مواجهة الألم والغياب القسري الذي دخل عامه العاشر دون إجابات واضحة.
طوّر الفكرة أفراد مستقلون من عائلات المغيبين، بالتعاون مع خبراء في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، وهي غير مرتبطة بأي جهة حزبية أو منظمة.
تسعى “خيام الحقيقة” إلى تحويل القضية من إطارها الخاص إلى فضاء عام، لتؤكد أنها قضية وطنية تعني كل السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم الجغرافية أو السياسية.
كما تهدف إلى تمكين العائلات من التعبير عن آلامها بعد سنوات من الصمت، وتسهيل تنسيقها مع الروابط القائمة في الخارج، بالإضافة إلى تسهيل التواصل بين العائلات والجهات الحكومية أو الدولية المعنية بملف المعتقلين.
وقال كريم الدين فاضل فطوم، عضو الاتحاد الوطني السوري الحر، في حديث لمنصة سوريا ٢٤ خلال مشاركته في الفعالية: “مثل هذه الفعاليات هي التعبير الصريح عن أحد أهم عناصر تحقيق العدالة الانتقالية، ويجب حشد كافة طاقات العمل المدني والأهلي والرسمي والتشارك في هذه الفعاليات على مساحة الوطن كله. لكن من الملاحظ أن فعالية البارحة كانت دون المستوى المطلوب من التنسيق والحشد”.
صوت واحد من أجل الحقيقة والعدالة
شهدت الفعالية التي أُقيمت في سلمية مشاركة عدد من النشطاء المدنيين والفعاليات المجتمعية، الذين أكدوا أن مثل هذه المبادرات تمثل حجر أساس في بناء الثقة بين المواطن والدولة، وخطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة الانتقالية.
بدورها، أكدت الناشطة ليال قطريب من مدينة سلمية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “خيمة الحقيقة هي صوت العائلات التي فُقد أحباؤها في غياهب السجون والمجهول”.
وأضافت: “اليوم، نرفع الصوت من سلمية لنقول إن قضية المغيبين قسراً لا تسقط بالتقادم، وإننا مستمرون بالمطالبة بالحقيقة والعدالة، لأن الألم مشترك والمعاناة لا حدود لها، ومن واجب كل حر يؤمن بالكرامة والعدالة أن يشارك في مثل هذه الفعاليات، ويقف إلى جانب الأهالي في نضالهم”.
تحديات أمام استمرارية الفعاليات
رغم الرسائل الإنسانية والوطنية التي حملتها “خيمة الحقيقة”، أشار بعض المشاركين إلى وجود تحديات لوجستية وتنظيمية تعرقل وصول الفعالية إلى الجمهور الأوسع، خصوصاً من خارج دوائر الناشطين والمتأثرين مباشرة بالقضية. ورأى البعض أن الحضور كان محدوداً مقارنة بحجم الكارثة، مما يستدعي تضافر الجهود لتوسيع دائرة المشاركة في المحطات القادمة.
من جانبه، قال قصي جرعتلي، ناشط مدني من سلمية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “هذه الفعاليات جزء فاعل من عمل تشاركي بين المواطن والدولة، مستدام نحو تحقيق العدالة الانتقالية، وأحد جسور الثقة بين مكونات الوطن. وأرى أنه على السلطة رعاية هكذا فعاليات، لأنها رسالة حقيقية إلى المجتمع الدولي الذي كان داعماً أو ساكتاً عن جرائم عصابة الأسد”.
أصوات تبحث عن أجوبة
تشير الإحصائيات إلى أن آلاف السوريين ما زالوا مغيبين قسراً في سجون النظام السوري، فيما تعيش عائلاتهم حالة من الانتظار المؤلم دون أي معلومات رسمية أو أدلة قاطعة عن مصير أحبائها. وفي ظل غياب محاسبة واضحة ومسار قضائي فعّال، تتحول مثل هذه المبادرات الشعبية إلى منارات تُذكّر بالضحايا وتضغط من أجل الكشف عن الحقيقة.
بدوره، أكد حسين داود، من هيئة العمل المدني في سلمية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “المشاركات والفعاليات من هذا النوع كثيرة الضرورة حتى لا ننسى ولا يُنسى حق الناس الذين ضحوا في سبيل الثورة، وهي الثورة التي قامت من أجل الحرية والكرامة”.
وتابع: “من الضروري توجيه رسالة للسلطات الجديدة بضرورة البحث والتحقيق لمعرفة الحقيقة. بالطبع، نشكر كل من ساهم في هذه الفعالية، ونتمنى أن يكون التنسيق في المستقبل أفضل، إذ كان عدد المشاركين أقل من عدد المغيبين بكثير”.
“مستمرون” شعار يحمل الأمل
رغم الألم، فإن شعار “مستمرون في نضالنا حتى كشف المصير وتحقيق العدالة” الذي رفعه المشاركون في خيمة سلمية يعكس تصميم العائلات على الاستمرار في نضالها السلمي والشعبي، ورفضها للنسيان والإفلات من العقاب.