في خطوة وُصفت بأنها تاريخية، رفعت وزارة الخزانة الأميركية في 23 أيار/مايو 2025، بموجب “ترخيص عام”، مجموعة واسعة من العقوبات المفروضة على سوريا، بما في ذلك القيود التي كانت تمنع التعاملات مع المؤسسات المالية، وشركات النفط والغاز، والموانئ، وشركات الطيران الوطنية.
مناف قومان، مستشار وزير الاقتصاد السوري لشؤون البنية التحتية وإعادة بناء المؤسسات، علّق على هذا القرار في تصريح لمنصة “سوريا 24”، قائلاً: “نحن أمام خطوة طال انتظارها، ستسمح بإعادة دمج سوريا تدريجيًا في الاقتصاد العالمي”.
وبحسب قومان، فإن “القطاعات التي شملها القرار ليست هامشية، بل تمس العمود الفقري للاقتصاد الرسمي: القطاع المصرفي، والنفط والطاقة، والموانئ البحرية من طرطوس إلى اللاذقية”.
وأوضح قومان أن فتح القنوات المالية والتجارية من شأنه أن يُفعّل عجلة التجارة والاستثمار، ويعيد النشاط إلى القطاع الخاص، مع إمكانية ظهور تحالفات اقتصادية جديدة.
كما أشار إلى أن تخفيف العقوبات “قد يُحفّز الاقتصاد غير الرسمي على التحول إلى الرسمي”، وهو ما ينعكس على الإيرادات الضريبية، ويحسن من مؤشرات الاستقرار المالي والنقدي، بما في ذلك “تحسن محدود في المعيشة واستقرار نسبي في سعر الصرف”.
خلفية القرار
القرار الأميركي لم يُلغِ العقوبات بشكل نهائي، بل منح استثناءً مؤقتًا لمدة 180 يومًا، يتضمن تعليقًا جزئيًا لأحكام “قانون قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ عام 2020.
كما سمح القرار بإعادة تشغيل التعاملات مع الحكومة السورية والكيانات التابعة لها، باستثناء الكيانات المصنفة ضمن قائمة الإرهاب أو المرتبطة بإيران وروسيا وكوريا الشمالية.
شادي مارتيني، مدير منظمة “تحالف الأديان”، يرى أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تبقى مرهونة بمزاج الإدارة الأميركية.
وقال لمنصة “سوريا 24”: “الرخصة رقم 25 ألغت فعليًا مفاعيل قانون قيصر، لكنها لا تمثل إلغاءً كاملاً، إذ لا يملك الرئيس الأميركي صلاحية رفع العقوبات بشكل دائم، بل يمكنه فقط إصدار استثناءات قابلة للتراجع في أي وقت”.
وحذر مارتيني من هشاشة هذا التغيير، قائلاً إن أي تطور سلبي في العلاقة مع الحكومة السورية قد يؤدي إلى “عودة العقوبات فورًا”، لكنه في ذات الوقت قلّل من أهمية ذلك باعتبار أن الأمور تمضي بشكل سلس في أروقة البيت الأبيض.
كما أشار إلى احتمال إدراج التعديلات الجديدة وإلغاء القانون ضمن مشروع “قانون الدفاع الوطني” العام المقبل، في حال التزمت سوريا بالتفاهمات الأمنية والسياسية الجديدة.
وتوقع مارتيني صدور قرار بتعليق حظر تصدير المنتجات الأميركية إلى سوريا خلال أيام، ما يعني عمليًا “رفعًا واسعًا لمفاعيل العقوبات”، باستثناء بعض التصنيفات التي من الممكن أن تُترك كأداة ضغط مستقبلية، من بينها التحويلات المصرفية لأشخاص مرتبطين بـ”الهيئة”، كون الأخيرة لم تُزل بعد من قوائم الإرهاب.
التحدي المصرفي: لا اقتصاد دون نظام مالي مؤهّل
من أبرز بنود القرار، السماح بفتح حسابات للمصرف التجاري السوري في البنوك الأميركية، ما يعني عودة تدريجية إلى شبكة SWIFT وربط سوريا مجددًا بالنظام المالي العالمي.
ومع ذلك، فإن الاستفادة الفعلية من هذا القرار تتطلب تحديثًا شاملًا للقطاع المصرفي السوري، الذي ما زال يعتمد أنظمة متقادمة.
آلان خضركي، المصرفي الاستشاري، نبّه في تصريحه لـ“سوريا 24” إلى أن: “القرار فرصة تاريخية، لكنه لا يعني شيئًا ما لم يتم تأهيل المصارف السورية لتكون جزءًا من النظام المالي الدولي”، وأن “الأنظمة المعتمدة حاليًا بدائية، وغير قادرة على تلبية معايير الامتثال والتدقيق المالي”.
وشدّد خضركي على أن العودة إلى SWIFT تتطلب إعادة هيكلة جذرية، تشمل تدريب ضباط امتثال، واعتماد أدوات تحقق من مصادر الأموال، وتحديث الأنظمة البنكية، وفصل مستويات الرقابة المصرفية، إضافة إلى بناء شراكات مع بنوك مراسلة تتمتع بمصداقية عالية.
كما حذّر من أن الفشل في بناء منظومة حوكمة مصرفية فعّالة قد يؤدي إلى دخول تدفقات مالية غير مشروعة، تُضرّ بسمعة سوريا وتصنيفها الدولي، مما ينعكس سلبًا على قدرة البلاد في جذب استثمارات جدية.
من جهتها، اعتبرت الأكاديمية الأمريكية السورية، مزح البقاعي، أن القرار الأميركي بتخفيف العقوبات عن سوريا “يأتي في سياق تنفيذ مباشر لتوجيهات الرئيس ترمب”، مؤكدة أن له انعكاسات كبيرة على مسار التعافي الاقتصادي في البلاد. وأشارت في تصريح لـ”سوريا 24” إلى أن توقيت القرار ليس عشوائيًا، بل جاء عقب جلسة الاستماع الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي في الكونغرس، والتي تم خلالها تأكيد التوجه نحو تخفيف الضغط الاقتصادي عن سوريا في ضوء التطورات السياسية الإقليمية.
وأضافت البقاعي أن معظم العقوبات الأساسية قد تم تفكيكها فعليًا، وأنه من المتوقع “رفع ما تبقى منها خلال الأيام القليلة القادمة”، معتبرة أن ذلك يشكّل خطوة مفصلية في إعادة إدماج سوريا في الاقتصاد الدولي، وفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات.
يرى المتحدثون أن القرار الأميركي يُشكّل نافذة اقتصادية نادرة لسوريا، لكنه لا يحمل أي ضمانات دائمة.
الاستفادة الحقيقية منه مشروطة بإصلاحات داخلية جادة، تبدأ من إعادة تأهيل القطاع المصرفي، وتمرّ بإثبات التزام الحكومة السورية بالتفاهمات السياسية والأمنية، ولا تنتهي عند تحسين بيئة الأعمال والحوكمة الاقتصادية.
فالنجاح في استثمار هذا التحول يتوقف على قدرة سوريا على إثبات حسن النية في التعاطي مع المؤسسات الدولية، وسرعة التحرك لإصلاح أنظمتها المالية والإدارية، واستعادة ثقة المستثمرين، سواء عبر ترسيخ الشفافية، أو مكافحة الفساد، أو تحصين النظام المالي من التدفقات غير المشروعة.