حمص: آية بكور تكافح لرعاية الحيوانات في مدينة منهارة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

في زاوية منكوبة من مدينة حمص، التي لا تزال تعاني من آثار الدمار الذي خلّفته سنوات الحرب، ظهرت مبادرة إنسانية لافتة تحمل اسم “جمعية بيت الحيوان الأليف”، أسستها الشابة آية بكور (25 عاماً)، لتكون صوتاً للحيوانات الصامتة التي تاهت بين الركام وتشردت بعد أن تركها أصحابها أو فقدوا القدرة على رعايتها.

قصة شغف بدأت قبل سبع سنوات

بدأت آية في حديث لمنصة سوريا ٢٤ بالقول: “أنا أحب الحيوانات منذ أن كنت صغيرة جداً. كلما مررت بقط أو كلب في الشارع وهو يعاني، كان من المستحيل أن أتركه، بدأت قبل سبع سنوات بشكل فردي، أنقذ ما يمكن إنقاذه، وأعالج بعض الحالات في منزلي، حتى أصبح هذا العمل جزءاً من حياتي”.

وبعد سنوات من الجهود الفردية، أسست في عام 2021 جمعية “بيت الحيوان الأليف” وتحديدا في حي “الخالدية”، وهي الجمعية الوحيدة المتخصصة في رعاية الحيوانات الشاردة والأليفة في مدينة حمص بأكملها.

وفي عام 2022، حصلت الجمعية على قرار الإشهار من وزارة الشؤون الاجتماعية، رغم التحديات الجمة التي كانت وما زالت تعترض طريقها، حسب كلامها.

واقع مرير بين الإهمال والتعذيب

وصفت آية الوضع الحالي للحيوانات في حمص بأنه “كارثي”، مشيرة إلى انتشار كبير للكلاب الشاردة في الأحياء السكنية، وإهمال متعمد لحيوانات أليفة بسبب ظروف الحرب والهجرة وقلة الوعي: “الحيوانات تتعرض للضرب والتعذيب، وهناك حالات تم العثور عليها مقتولة بطريقة بشعة”.

وتابعت: “بعد الحرب، زاد عدد الحيوانات المهملة والمشردة بشكل كبير، نتيجة ترك الناس لحيواناتهم عند الهروب من المعارك، أو لأن الظروف الاقتصادية لم تعد تسمح لهم برعايتها”.

وأكدت أنها تعمل مع الجهات المحلية، وخاصة مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، لتقديم حلول عملية، مثل تعقيم الكلاب الشاردة، وترميزها، وإعادة توطينها بعيداً عن المناطق السكنية، إضافة إلى تنظيم حملات توعية، خاصة في المدارس، لتغيير النظرة السلبية تجاه الحيوانات.

تحديات لا تنتهي: من الإيجار إلى نقص الكوادر

رغم الإنجازات، فإن الطريق لم يكن سهلاً، فالتحديات تراكمية ومتنوعة، وتبدأ من نقص التمويل، وصولاً إلى نقص الكوادر البشرية، وارتفاع تكاليف الإيجار الذي أجبر الجمعية على مغادرة المقر السابق: “واجهتنا الكثير من العراقيل، أبرزها عدم اهتمام البعض بعملنا، وقلة التبرعات، وعدم استقرار الوضع المادي. الآن نحن فقط أربعة أشخاص يعملون بشكل طوعي، وكل شيء يعتمد على التبرعات المباشرة”.

وزادت قائلة: “كان لدينا مكان نستخدمه كعيادة مؤقتة، لكننا اضطررنا لتركه بسبب ارتفاع الإيجار. الآن أقوم بعلاج معظم الحالات في منزلي، وهذا ليس سهلاً، سواء من حيث المساحة أو الخصوصية، لكنني مستمرة لأنني أحب الحيوانات، وأؤمن بأن لدي رسالة يجب أن أكملها”.

قصص لا تُنسى ولحظات أعادت الأمل

لم تخلُ رحلة آية من اللحظات المؤثرة، التي ترسم البسمة أحياناً، والحزن أحياناً أخرى. تحدثت عن حيوانات عانت من الإهمال، ونجحت في إنقاذها، وعن قصص تحمل في داخلها بصيص أمل جديد: “لقد مرّت عليّ حالات لن أنساها، كحيوان تعرض للحرق، وآخر دُهس عدة مرات، وكثير غيره”.

وقالت أيضا: “كل حالة كانت درساً في الصبر والإنسانية. أؤمن أن عملي لا يساعد الحيوانات فقط، بل يعيد لمسة إنسانية ضائعة لدى كثير من الناس، وعندما يرى أحد المواطنين أن هناك من يهتم بحيوان مُهمَل، يعود إلى ذكرياته الجميلة، ويبدأ في التفكير بطريقة مختلفة”.

وأضافت: “الأهالي في حمص متعاونون جداً معنا، وعندما يجدون حيواناً مصاباً يتواصلون معي مباشرة عبر صفحتنا على فيسبوك، ومن ثم نتحرك لإنقاذه”.

الهدف القادم: ملجأ دائم للحيوانات

في ختام حديثها، وجهت آية نداءً إلى الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، قائلة: “المطلب الأساسي هو مساعدتنا في تأمين مكان ثابت يكون مقراً للجمعية، يستطيع فيه الفريق تقديم الخدمات الطبية والرعاية اللازمة للحيوانات. لا نريد سوى مساحة صغيرة، تحتضن من يحتاج إلى رعاية، وتعيد للإنسانية مجدها في مدينة فقدت الكثير”.

وبينما يحاول أهل حمص إعادة بناء بيوتهم، تبني آية بكور بيتاً آخر، ليس للبشر، بل للحيوانات، بيتاً من الرحمة والحب والاهتمام.

ووسط كل ذلك، تُثبت هذه الشابة أن الإنسانية لا تموت، وأن الكائنات الصامتة تستحق أن يُسمع لها صوت.

وفي الوقت الذي تحتاج فيه المدينة إلى كل قطرة دم ومساعدة لإعادة الترميم والتأهيل من جديد، فإن جمعية “بيت الحيوان الأليف” تقدم نموذجاً مختلفاً، يجمع بين الشجاعة والإنسانية، وبين الحلم والواقع، وبين الألم والأمل.

مقالات ذات صلة