حلب مفتاح النصر: تكريم أبطال عملية التحرير في قلب القلعة

Facebook
WhatsApp
Telegram

سوريا 24

في قلب حلب، المدينة التي عانقت الألم كما عانقت المجد، وفي مدرّج قلعتها التاريخية التي شهدت صراخ الفاتحين والمظلومين على مرّ العصور، رُفعت صور الشهداء الخمسة، ووطأت أقدام بقيّة الفاتحين مدرّجها الحجري، كأنما الزمن عاد إلى الوراء ليشهد ولادة نصر جديد.

عُلّقت صورهم على جدران القلعة، بين الممرّات والأقواس الحجرية، وكأنها تنطق: “الفجر آتٍ لا محالة، والتاريخ لا يُكتب إلا بالحديد، ولا يُسطّر إلا بأيدي أبنائه الأحرار”.

تلك كانت فعالية “حلب مفتاح النصر”، لتكريم مقاتلي عملية “خلف الخطوط” وذوي الشهداء منهم؛ العملية التي مهّدت الطريق لتحرير مدينة حلب، ومن ثمّ كامل التراب السوري.

محمد حجازي… صوت الشهيد الحي

محمد حجازي، أحد أبطال العملية، “الشهيد الحي” كما يلقبونه، حكى الحكاية بلغة القلب: “منذ أشهر ونحن نُجهّز للعملية، اخترقنا نقاط العدو قبل الموعد بأسابيع، مشينا كيلومترات خلف الخطوط، والله كان معنا. لم نكن نعلم أننا نكتب بداية النصر… لكننا صدّقنا الوعد، فصدقنا الله”.

وفي حديثه لـ”سوريا 24″، قال: “تدرّبنا كثيرًا على العملية، واستطعنا إحداث خرق في صفوف النظام من جبهتي قبتان الجبل غرب حلب، والباب شرقها. وقد بدأ العملية أحد الانغماسيين، الذي مهّد الطريق بروحه وجسده للنصر الكبير”.

وبحسب حجازي، فإن ميزان القوى على الأرض لم يكن لصالح الثوار، لكن الإيمان بعدالة القضية هو الذي مهّد الطريق لانهيار خطوط قوات النظام والميليشيات الموالية له: “لم نكن نعلم أننا نمهّد لإعلان تاريخ جديد لسوريا”.

الطفولة التي كبرت على عجل

حين انطلقت الثورة، لم يكن عمر الكثير من المقاتلين يتجاوز العشر سنوات. القتل، والظلم، والتهجير، كلّها عوامل كبّرت الطفولة قبل أوانها، وخلقت في قلوبهم إصرارًا لا يعرف التراجع: أن يكونوا صوت المظلومين وذراعهم في زمن الانكسار.

شهداء من نور

في زاوية من مداخل القلعة، وقف أحمد عوض سليمان يحمل صورة ابن أخيه، الشهيد محي الدين الأشعري، الذي سقط في معركة تحرير حلب. قال لـ”سوريا 24″: “محي الدين لم يكن يقاتل فقط، بل كان يحمل همّ كل معتقل ومعتقلة في سجون النظام. كان يمشي وفي عينه سؤال واحد: متى تخرج الحرائر من الزنازين؟”.

أما الشهيد محمد أحمد الحسين، فقد استُشهد في بداية المعركة. يقول والده إن حلمه كان إعادة أهله المهجّرين إلى بيوتهم. لم يُرزق بولد، لكن كلماته بقيت وعدًا بين الرفاق: “لن أترك الظلم قائمًا، ولن أعود إلا والكرامة معنا”.

أمجد أسود الشب، كان أول من ارتقى في معركة التحرير.. صوته الصامت كان شرارة البداية، كما يروي والده، والمبدأ الذي لا رجعة عنه.

كانت الحرائر ينتظرن من يفك قيدهن، ولم يكن يعلم أن خطوته ستكون بداية النهاية لآلة الظلم والطغيان.

فعالية النصر

شهدت فعالية “حلب مفتاح النصر” حضور الرئيس أحمد الشرع، إلى جانب محافظ حلب، ومدير الأوقاف، واللواء عبد القادر طحّان معاون وزير الداخلية. وكرّم الحضور ذوي الشهداء الخمسة، إلى جانب “الشهداء الأحياء” من منفذي عملية “خلف الخطوط”، وذلك عبر دروع شرف قُدّمت باسم رئاسة الجمهورية.

عبير الفارس، مسؤولة مكتب المرأة في الهيئة السياسية بحلب، أكدت لـ”سوريا 24”: أنّ “تكريم الشهداء في قلعة حلب ليس مجرد حفل، بل إعلان رمزي بأن هذه الأرض تكتب تاريخها من جديد. خمسة عشر رجلًا من رجال الميدان… خمسة ارتقوا في العملية، والبقية أُصيبوا خلال المعركة. هؤلاء هم من رسموا الطريق للحرية”.

وخلال حفل التكريم في باحة القلعة، سلّم الرئيس أحمد الشرع دروع الشرف لعائلات الشهداء، وشارك المقاتلين المتبقين فرحة النصر، مؤكدًا أن دماء الشهداء هي من مهّدت الطريق نحو سوريا الحرة.

ومن المقرّر أن يُوضع سلاح مقاتلي “خلف خطوط العدو” وبزّاتهم العسكرية في متحف خاص يُخلّد تضحياتهم وتضحيات الشعب السوري خلال 14 عامًا من الثورة.

من التكريم إلى العهد الجديد

صرّح منظّمو الفعالية لـ”سوريا 24” بأن “هذا التكريم ليس نهاية، بل بداية عهد جديد، نحفظ فيه كرامة من ضحّى، ونرعى من تركهم خلفه”. كما تم الإعلان عن تخصيص رواتب شهرية لعائلات الشهداء، ومتابعة أوضاعهم المعيشية والاجتماعية بشكل دائم.
وختم أحد المنظّمين بكلمات رمزية تلخّص المشهد: “النصر لم يُكتب بالعتاد، بل بالإيمان… بخطوات شباب عبَروا خلف خطوط العدو، وفتحوا بوابة كنا نظنها مغلقة. هؤلاء هم المفتاح… وهم الطريق”.

في حلب، عاد التاريخ ليتنفّس. وعادت القلعة، التي طال صمتها، لتهمس للعالم: “هؤلاء أبنائي… وهنا كانت بداية النصر.”

مقالات ذات صلة