تشهد الساحة الإعلامية السورية تحولًا نوعيًا في مواجهة انتشار الأخبار المضللة، عبر مبادرات تدريبية متقدمة تهدف إلى تعزيز مهارات الصحفيين في الرصد والتحقق، وفي مقدمتها ورشة تدريبية أقيمت في العاصمة دمشق على مدار يومين، ضمن إطار مبادرة “سفراء الجزيرة”، بالشراكة مع معهد الجزيرة للإعلام ومنصة “سوريا 24 “، وتنفيذ مؤسسة “خطوات”.
في حديثه لمنصة “سوريا 24″، أكد الصحفي والمدرب في معهد الجزيرة، معن خضر، أن “الخبر السوري يمرّ اليوم بمرحلة حساسة، إذ بات بحاجة ماسة للدقة والسياقات الواضحة، في ظل انتشار واسع للأخبار المغلوطة والمضلّلة والمجتزأة من سياقها”.
وشدد خضر على أن هذه الورشة، وهي الثالثة من نوعها التي تُقام في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تستهدف تمكين الصحفيين السوريين، خصوصًا داخل البلاد، من أدوات التحقق الرقمي والممارسات المهنية الدقيقة. وأضاف: “لطالما تميزت سوريا بوجود عدد كبير من الصحفيين الميدانيين ذوي الخبرة، لكن الحاجة باتت ملحّة لتطوير أدواتهم، ليس فقط عبر التجربة العملية، بل من خلال تزويدهم بمعرفة أكاديمية ومهارات تقنية حديثة”.
وأضاف خضر أن الانتقال من الصحافة التقليدية إلى إنتاج محتوى إعلامي متكامل وموثوق بات ضرورة، موضحًا: “نطمح من خلال هذه الورش إلى إحداث نقلة نوعية في الأداء الصحفي السوري، تجمع بين الميدان والدراية الأكاديمية، وتحترم عقل الجمهور سواء كان قارئًا أو مشاهدًا”.
من جانبه، وصف الصحفي لؤي أبو السل، في مداخلة له مع “سوريا 24″، هذه الورشة بأنها “محطة لإعادة تموضع الصحفي كفاعل مركزي في مقاومة التضليل وحماية الوعي العام”، مؤكدًا أن التحقق الرقمي في دول مثل سوريا، حيث تختلط الوقائع بالشائعات، لا يُعد مهارة تقنية فقط، بل “أداة نضال مهني وأخلاقي”.
وتابع: “نحن بحاجة إلى صحافة لا تلهث خلف العناوين، بل تغوص في العمق، وتفكك السرديات، وتعيد بناء الرواية على أسس منطقية وموثوقة”، مشيرًا إلى أن الورشة جمعت صحفيين من مناطق وخلفيات سورية متنوعة، في تجربة تعزز ثقافة مهنية جماعية تؤمن بأن الصدق الصحفي لا يتحقق بالنوايا بل بالأدوات والمعرفة.
أما مدير مؤسسة خطوات، علي سلطان، فأوضح في تصريح خاص لـ”سوريا 24” أن الورشة التدريبية ستقدم على ثلاث مراحل، وتستهدف 45 صحفيًا وصحفية من مختلف المؤسسات الإعلامية السورية، من بينها “سمارت”، “وكالة سوريا الجديد”، “سوريا 24″، و”تلفزيون سوريا”.
وأشار سلطان إلى أن التدريب شمل أدوات الرصد وأساليب البحث المتقدم، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التحقق من الصور والمواقع الجغرافية، بالإضافة إلى تطبيقات عملية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث.
وتندرج هذه الورشة ضمن إطار مبادرة “سفراء الجزيرة” التي أطلقها معهد الجزيرة للإعلام عام 2012، كمبادرة إعلامية تطوعية تهدف إلى تدريب الكوادر الإعلامية الشابة داخل الوطن العربي وخارجه. وتهدف المبادرة إلى نقل تجارب ومهارات صحفيي شبكة الجزيرة من خلال دورات مجانية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى تدريب إعلامي متخصص، بما يسهم في رفع جودة العمل الصحفي عربيًا ودوليًا، وتمكين جيل جديد من الإعلاميين القادرين على مواكبة التحديات الإعلامية المتجددة.