في ظل فوضى سنوات الحرب التي عصفت بسوريا، تعرضت العديد من المواقع الأثرية في البلاد للتخريب والنبش والنهب، لتفقد جزءاً من تاريخها وتراثها.
ومن بين هذه المواقع التي تعرضت للسطو الصامت، “تل حوايج البومصعة” الأثري في ريف دير الزور الغربي، وهو موقع لم يُدرج قط ضمن القوائم الرسمية للمواقع الأثرية في البلاد، حتى على أيام النظام السابق، ما جعله فريسة سهلة للمهربين واللصوص.
موقع أثري منسي
تختبئ في جوف تل حوايج البومصعة كنوزٌ أثرية مجهولة، عبارة عن قبور قديمة ذات تصميم صليبي مزخرف بأشكال ورسومات فريدة.
وحسب مراسل منصة سوريا ٢٤ في دير الزور، ونقلا عن أهالي المنطقة، فإن هذه القبور تعود للعصور الرومانية الغابرة، ما يشير إلى أهمية تاريخية للموقع. إلا أن غياب الاعتراف الرسمي والحماية جعله في مهب الريح.
شاهد على جريمة النهب
لم تسلم هذه القبور التاريخية من أيادي التخريب والسرقة، خاصة خلال فترة سيطرة تنظيم (داعش) على المنطقة.
يروي أحمد العبد، وهو أحد أهالي بلدة حوايج البومصعة، وشاهد عيان على عملية النهب، تفاصيل عن تلك الفترة.
يقول العبد في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “في يوم من الأيام، أثناء سيطرة تنظيم داعش عام 2015، كنت أسير مصادفة في الطريق أرعى الغنم، فرأيت هذه القبور قد تم تطويقها ومنع أي أحد من الاقتراب منها. وعند انتهائي من الرعي وعودتي، كانوا لا يزالون موجودين ولم يسمحوا لي بسلوك الطريق نفسه”.
ويتابع العبد: “في اليوم التالي، عدت إلى نفس الموقع فوجدت أن القبور، أو ما نعرفه بـ’الخشخاشة’ في مصطلحنا المحلي، قد نُبشت وسُرقت محتوياتها بالكامل”.
إهمال تراكمي وغياب للحماية
يؤكد العبد على الأهمية التاريخية للموقع في ذاكرة أهالي المنطقة، مضيفاً أن “هذا جبل حوايج البو مصعة أثري منذ أن سكنه أجدادنا”.
وتحدث العبد عن زيارة سابقة للموقع في زمن النظام السابق، حيث “جاءت بعثة إلى الجبل وقاموا بفتح إحدى ‘الخشايش’ التي تحوي عدة قبور، ثم أعادوا إغلاقها”، ما يؤكد أن السلطات كانت على علم بوجود هذه الآثار، لكنها لم توفر لها الحماية اللازمة أو تُدرجها ضمن سجلاتها الرسمية.
تبقى قصة تل حوايج البومصعة شاهداً مؤلماً على مصير جزء كبير من التراث السوري، الذي يُنهب ويُدمر في صمت، بعيداً عن أضواء الرقابة والحماية.
وتُبرز هذه الحادثة الحاجة الملحة لإعادة تقييم شامل للمواقع الأثرية غير المسجلة، وتوفير الحماية اللازمة لها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة حضارة تمتد لآلاف السنين.