يجلس يحيى حنورة، ابن بلدة ماير، أمام خيمته المتواضعة في مخيم باب السلامة، فيما تتناثر من حوله ذكريات قرية اقتلعتها الحرب من جذورها. يتحدث بحرقة عن المأساة التي عاشها منذ تهجيره في عام 2016، حين اقتحمت الميليشيات الطائفية البلدة الواقعة شمال محافظة حلب.
ويقول لمنصة سوريا 24: “عدت إلى منازلنا بعد سقوط النظام، لأكتشف أن منازلنا السبعة، أنا وإخوتي ووالدي، قد سُويت بالأرض. لم يتركوا دورة مياه واحدة، ولا بابًا ولا نافذة. سرقوا كل شيء. عفشوا البيوت كما لم يفعل المغول ولا ابن العلقمي”.
يستذكر حنورة تفاصيل الخراب الممتد: “بساتين الزيتون والتين والعنب التي ورثناها عن أجدادنا، اقتُلعت بالكامل. من بين أكثر من 25 ألف شجرة، لم تبقَ واحدة قائمة. عدت إلى كرومنا فوجدتها صحراء محروقة”.
حنورة، الذي كان يعمل معلمًا منذ عام 2012، تم فصله من وظيفته، ويقول إن عدم توفر البنية التحتية الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي، جعل من العودة حلمًا مؤجلًا: “حتى شبكات الهاتف وأعمدة الإنارة نُهبت. آبار المياه رُدمت، والمحولات الكهربائية نُزعت. لا مدارس، لا خبز، لا خدمات”.
وفي شهادة متطابقة، قال صفوان كرشو، لاجئ آخر من أبناء ماير، إنه فوجئ بعد عودته إلى منزله بأن 400 شجرة زيتون و200 كرمة عنب تخص عائلته قد اقتُلعت بالكامل. وأضاف: “كل شيء كان معدومًا. نحن اليوم نعيش في مدينة إعزاز، ننتظر فرصة لإعادة إعمار بلدتنا… لكن لا مقومات حتى الآن”.
الدمار يتجاوز 90%.. وشهادات توثق حجم الانتهاكات
من جانبه، أعلن رئيس المجلس المحلي لبلدة ماير، الأستاذ حسين خرمة، في تصريح لمنصة “سوريا 24“، أن البلدة احتُلّت بتاريخ 2 نيسان 2016 من قبل الميليشيات الإيرانية والطائفية، وتعرضت لانتهاكات واسعة النطاق.
قال خرمة إن هذه الانتهاكات شملت “سلب الممتلكات، إحراق جميع المنازل، وتدمير البنية التحتية”، موضحًا أن عدد المنازل في البلدة يبلغ نحو 2600، وقد دُمر منها أكثر من 2400 بشكل كلي أو جزئي.
وبيّن أن المساجد الأربعة ومصلى البلدة تعرضت للتخريب والحرق، إلى جانب خمس مدارس، دُمرت اثنتان منها كليًا، بينما تحتاج البقية إلى إعادة تأهيل كامل. وأضاف: “المخبز الوحيد الذي كان يخدم ثلاث قرى سُرق بالكامل، وشبكات الكهرباء والإنارة والمياه والاتصالات جُردت من مكوناتها، بل حتى المقابر لم تسلم من التكسير والتخريب”.
وأشار خرمة إلى أن البلدة حاليًا خالية تقريبًا من السكان، باستثناء نحو 100 عائلة عادت رغم صعوبة الأوضاع، في حين يتوزع الباقون في المخيمات ومناطق أخرى كإعزاز، إدلب، وعفرين، بالإضافة إلى عدد كبير في تركيا.
ورجح خرمة أن نسبة الدمار الكلية في ماير تفوق 90%، مؤكدًا أن “غالبية السكان على استعداد للعودة إذا توفرت مقومات الحياة الأساسية من بنى تحتية ومدارس وخدمات”.
يعيش يحيى حنورة، اليوم، مثل آلاف المهجرين في خيمة بسيطة، لكنه لا يزال يحمل حلم العودة إلى منزله في ماير: “أحلم أن أعود. لكن أحلامنا تصطدم كل يوم بالواقع القاسي… لا ماء، لا مدرسة، لا كهرباء. العودة ممكنة فقط إذا أعيدت الحياة للبلدة”.