تتحول “الحراقات البدائية” في دير الزور، إلى مصدر رئيسي للتلوث وانتشار الأمراض، حيث تطلق هذه المصافي العشوائية سمومها في الهواء بشكل مُستمر، مما يؤدي إلى انتشار أمراض تنفسية خطيرة وأخرى مُسرطنة بين السكان.
يأتي ذلك، في ظل نداءات متكررة من الأهالي والجهات الطبية لضرورة إزالتها أو إبعادها عن المناطق السكنية قبل فوات الأوان.
تلوث خانق وأمراض مُسرطنة
يُعد تشغيل هذه المصافي العشوائية سبباً رئيسياً في انبعاث روائح كريهة لا تُطاق، ونشر كثيف لمادة الكربون الأسود (الشحوار)، وهو ناتج مباشر عن حرق النفط الخام بطرق بدائية وغير صحيحة.
لا تقتصر تداعيات هذه الانبعاثات على مشاكل صحية فورية كالضيق في التنفس وحالات الاختناق، التي تُصيب بشكل خاص مرضى الربو والجهاز التنفسي، بل تتجاوز ذلك لتُهدد حياة الكثيرين بالإصابة بأمراض وراثية وقد تصل خطورتها إلى التسبب بمرض السرطان.
مطالب بإبعاد الحراقات عن المنازل
يروي أحمد الفهد، من أهالي بلدة الكبر بريف دير الزور الغربي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، عن أثر هذه المصافي قائلاً: “مواقع الحراقات قريبة جداً من منازل سكان البلدات، وهذا يُسبب ضرراً كبيراً على البشر، نرجو منهم إبعاد الحراقات مسافة أكبر عن منازلنا”.
ويُضيف الفهد أن “هذه الحراقات تؤثر بشدة على مرضى الربو، وقد يصل تأثيرها إلى التسبب بمرض السرطان، ومن خلالكم نناشد الجهات المعنية أن تعمل على إبعادها أو إزالتها كلياً”.
تأثير سلبي في فصل الصيف
من جانبه، يصف ناصر الخليفة، من أهالي بلدة محيميدة بريف دير الزور الغربي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، تأثير “الحراقات” بأنه “سلبي جداً على الناس عامة، وخصوصاً في فصل الصيف”.
ويُوضح الخليفة: “عند إشعال الحراقات بالقرب من المنازل السكنية، يرتد الدخان الملوث على الأهالي، ورائحة الحراقات تُسبب حساسية في القصبات الهوائية وتؤثر بشكل فعلي على مرضى الربو”.
نختنق ولا نستطيع التنفس
بدوره، يُعاني عبيدة الحامد، من أهالي بلدة الزغير، من ذات المشكلة رغم أن الحراقات تبعد عن منازل الأهالي كيلومتراً واحداً، حسب تعبيره.
ويُشدد الحامد في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على أن “هذه المصافي تُسبب أضراراً فعلية على المجتمع، كونها تؤثر على مرضى الجهاز التنفسي كالحساسية والتهاب القصبات والربو”.
ويُتابع: “عند إشعال الحراقات في الليل، ومع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي، يُصيبنا اختناق لا نستطيع التنفس، وأكثر من يتأثر هم الأطفال”.
ويُضيف أن “التأثير لا يقتصر على الاختناق فحسب، بل يمتلئ المنزل بالكربون الأسود (الشحوار)، وهو مادة تُنتج عن احتراق النفط”.
ويروي الحامد شهادة شخصية: “كنت شاهداً على حالة لمريض ربو، وهو جاري محمد الحسن، الذي يُعاني من التهاب قصبات حاد ومزمن، وعندما تبدأ الحراقات بالعمل، يضطر للذهاب إلى بلدة أخرى ليتفادى حالة الاختناق التي تُصاحب مرضه والتي قد تُودي بحياته”.
تحذير طبي من تداعيات خطيرة
وحول هذا الخطر البيئي والصحي المحدق، أكد الطبيب العام في مشفى الكسرة العام، محمود الشعّار في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على أن: “مشكلة انتشار الحراقات تُسبب أذية بالغة للمجاري التنفسية، تؤدي إلى التهاب قصبات حاد ومزمن مع حالات اختناق”.
ويُحذر الشعّار من تداعيات أخطر: “قد يكون الأوكسجين في المشفى غير متوفر، مما يدفع إلى القبول في العنايات المشددة، وقد يؤدي ذلك إلى أذية لبعض المرضى ووفاة البعض الآخر”.
ويُشير الطبيب إلى أن “هذه الحراقات قد تؤدي أيضاً إلى سرطانات في الجهاز التنفسي والهضمي”.
ويُشدد الشعّار على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية: “الحراقات مؤذية بشكل شائع في المجتمع، خاصة وأنها قريبة من المدن والقرى، ولذا، يجب أن تُوضع بعيداً عن التجمعات السكنية والمدن لكي لا تُؤثر سلباً على المجتمع”.
ووسط كل ذلك، تبقى هذه “الحراقات” شبحاً يُهدد الأمن الصحي والبيئي في ريف دير الزور، في انتظار تحرك جاد من الجهات المعنية لوضع حد لهذه الكارثة الصامتة التي تُسمم الهواء وتُهدد مستقبل أجيال بأكملها.