في خطوة لافتة تشير إلى تحول نوعي في التعاون الإقليمي، بدأت وحدة تنسيق ثلاثية تضم الأردن وتركيا وسوريا عملها في العاصمة السورية دمشق يوم 19 أيار/مايو 2025، بهدف مكافحة تنظيم “داعش”.
تأتي هذه المبادرة بدعوة رسمية من الحكومة السورية، لتعكس انفتاح دمشق الجديدة على الشراكات الأمنية مع دول الجوار، في ظل تحديات معقدة تستهدف تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب العابر للحدود.
انطلاق وحدة التنسيق: سياق الخطوة
أكدت وزارة الدفاع التركية، من خلال تصريحات المتحدث باسمها زكي أكتورك خلال الإحاطة الصحفية الأسبوعية، أن وحدة التنسيق الثلاثية قد بدأت عملها في دمشق بعد دعوة رسمية من سوريا.
وأوضح أكتورك أن هذه الخطوة جاءت في إطار قرار سابق اتُخذ بين خمس دول لإنشاء مركز عمليات مشترك لمكافحة تنظيم “داعش”.
وقد أوفدت تركيا طاقماً متخصصاً لدعم الجهود المشتركة، مؤكدة موقفها الثابت بأنه “لن يُسمح مطلقاً بالأجندات اللامركزية أو الانفصالية في سوريا، بالتعاون مع الحكومة السورية”.
ويظهر هذا التعاون التزاماً إقليمياً مشتركاً للقضاء على التهديدات الإرهابية وتعزيز الأمن.
مهام وحدة التنسيق
تتركز مهمة هذه الوحدة الثلاثية على تعزيز التنسيق الميداني والاستخباراتي بين الأردن وتركيا وسوريا، حيث تسعى الدول الثلاث إلى تبادل المعلومات لتحديد مواقع خلايا “داعش” النائمة، خاصة في البادية السورية ومناطق شمال شرقي البلاد.
كما تشمل المهام الإشراف على نقل إدارة 26 سجناً ومعسكراً، مثل مخيمي الهول والروج، التي تضم نحو 12 ألف عنصر من “داعش”، من سيطرة قوات “قسد” إلى مؤسسات الدولة السورية الجديدة.
وتهدف الوحدة أيضاً إلى مواجهة التهديدات العابرة للحدود، لحماية الحدود الأردنية والتركية من تمدد الفوضى أو الهجمات الإرهابية، مع السعي لإحلال السلام والطمأنينة في سوريا من خلال عمليات شفافة وشاملة تراعي المخاوف الأمنية لجميع الأطراف.
زيارة استخباراتية تدعم المسار
تزامنت هذه المبادرة مع زيارة غير معلنة قام بها رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالن، إلى دمشق الأسبوع الماضي، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات السورية حسين السلامة.
ركزت المباحثات على مستقبل معسكرات وسجون “داعش” في شمال شرقي سوريا، ووضع خطة لنقل إدارتها إلى السلطة السورية الجديدة، مع تأكيد تركيا استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي.
كما ناقش الجانبان وحدة الأراضي السورية، وضرورة وجود الجيش السوري كالهيكل المسلح الوحيد مع دمج “قسد” ضمنه، إلى جانب قضايا مثل العقوبات المفروضة على سوريا والانتهاكات الجوية الإسرائيلية وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي.
تكاتف ثلاثي مبرر
وأشار العقيد أحمد حمادة، الخبير العسكري والاستراتيجي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن “وحدة التنسيق الثلاثية بين تركيا والأردن وسوريا تؤكد أن خطر تنظيم داعش ليس موجهاً ضد سوريا فقط، بل هو خطر إقليمي يهدد الجميع، ومن هنا جاء تعاون الدول الأكثر تضرراً من هذا التنظيم الإرهابي؛ وهي تركيا والأردن وسوريا، بهدف تنسيق الجهود المشتركة لمكافحة داعش والقضاء عليه بشكل نهائي”.
وأضاف: “من أبرز التحديات التي تواجه هذه الوحدة هي المعسكرات الموجودة شرق الفرات، مثل مخيم الهول والروج، إضافة إلى 26 سجناً ما زالت تحتوي على نحو 12 ألف عنصر من تنظيم داعش، كما لا تزال هناك خلايا نائمة ووجود فعلي للتنظيم في البادية السورية، وهو ما ظهر جلياً قبل يومين من خلال الاعتداء الذي استهدف الفرقة 70 في الجيش السوري، وأدى إلى مقتل مقاتل وإصابة ثلاثة آخرين”.
واستكمل: “وبالتالي، فإن تكاتف الدول الإقليمية حول هدف مشترك، مع دعم من الدول العالمية من حيث التكنولوجيا والإمكانات المادية والتنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي، يُعد خطوة حاسمة في سبيل تقويض التنظيم أو إنهائه تماماً من المنطقة”.
دلالات الخطوة
تكشف هذه المبادرة عن تحول استراتيجي في موقف تركيا، التي تتجاوز دورها التقليدي في ضبط الحدود وملف اللاجئين لتصبح شريكاً مباشراً في إعادة بناء الأمن السوري.
كما تبرز مشاركة الأردن حرص عمان على تأمين حدودها الشمالية ومنع تمدد الإرهاب إلى داخل أراضيها.
من جهته، وصف إبراهيم خولاني، الباحث المساعد في مركز حرمون للدراسات في حديث لمنصة سوريا ٢٤، هذه الخطوة بأنها تتويج لمسار جديد من التعاون بين دمشق الجديدة ودول الجوار.
وأضاف أن الوحدة تعكس انضباطاً أمنياً وشفافية، وتتقاطع مع مصالح تركيا والأردن، مشيراً إلى أن الزيارة الاستخباراتية التركية تؤكد الثقة المتبادلة، وقد تكون مدخلاً لإعادة رسم المشهد الأمني شرقي سوريا.
واعتبر أن وحدة التنسيق هذه هي مؤشر على ولادة معادلة أمنية جديدة، ويُرجّح أن تتطور لاحقًا إلى أطر سياسية أشمل في حال توافرت الإرادة الدولية والإقليمية اللازمة.ويعزز انفتاح السلطة السورية الناشئة على الشراكات الإقليمية شرعيتها، ويمهد لاستقرار طويل الأمد. وتشير الوحدة الثلاثية إلى ولادة معادلة أمنية جديدة، قد تتطور إلى أطر سياسية أوسع إذا توافرت الإرادة الدولية والإقليمية.
تمثل وحدة التنسيق الأردنية التركية السورية خطوة واعدة لمواجهة “داعش” وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
ومع استمرار التنسيق الميداني والاستخباراتي، ودعم تركيا لدمشق الجديدة، يبدو أن المنطقة تشهد بداية تحالف أمني قد يغير قواعد اللعبة، لكن نجاح هذه المبادرة يظل مرهوناً بالشفافية، ومراعاة المخاوف الأمنية لجميع الأطراف، ودعم المجتمع الدولي لضمان تحقيق السلام والأمن في سوريا ومحيطها.