أعلنت سوريا عن إطلاق خطة وطنية شاملة تهدف إلى مواجهة “الموت الصامت” الذي لا يزال يهدد حياة المدنيين بسبب الألغام ومخلفات الحرب، وذلك في خطوة تُعد من أبرز التحديات الإنسانية التي تواجه إعادة الإعمار واستقرار المناطق المتضررة.
وقال وزير الطوارئ والكوارث في سوريا، رائد الصالح، في حوار خاص مع “الجزيرة نت”، أمس الأحد، إن الحكومة السورية بصدد إنشاء “مركز وطني متخصص في مكافحة الألغام وإزالة المخلفات الحربية”، إلى جانب تدشين “منظومة وطنية للاستجابة الطارئة” تهدف إلى تعزيز قدرة المؤسسات على الوصول إلى المناطق المنكوبة بسرعة وكفاءة.
وأكد الصالح أن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار تهديدات الألغام التي زُرعت في مختلف أنحاء البلاد من قبل أطراف متعددة، بما في ذلك القوات الإيرانية ومسلحو تنظيم داعش والنظام السابق والقوات الروسية.
وأشار إلى أن هذه الألغام امتدت لتغطي الغابات والمناطق الزراعية والمدن، ما يجعل عمليات إزالتها تحدياً معقداً يتطلب جهوداً بشرية ولوجستية ضخمة.
ولفت الوزير إلى أن عشرات المدنيين فقدوا حياتهم، بينما أصيب المئات بإصابات بليغة أو إعاقات دائمة، نتيجة انفجار الألغام في المناطق التي بدأ سكانها بالعودة إليها بعد توقف المعارك.
وشدد على أن أولوية الوزارة هي حماية المدنيين وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم الآمنة إلى قراهم وبلداتهم.
وأوضح الصالح أن الخطة الوطنية لإزالة الألغام تتضمن إنشاء جهة مركزية واحدة مسؤولة عن التنسيق وتتبع المناطق المنزوعة منها الألغام وإعلانها آمنة لعودة السكان، مؤكداً أن هذا النهج سيساهم في توحيد الجهود بين الوزارات المعنية، خاصة وزارة الدفاع، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية الشريكة.
ولفت إلى أن تنفيذ هذه الخطة يحتاج إلى وقت طويل وموارد بشرية ومادية كبيرة، وأن الوزارة تعمل حالياً على وضع خريطة طريق واضحة تحدد الأولويات وفقاً لخطورة المناطق واحتياجاتها الملحة، على أن يتم الإعلان عنها قريباً ضمن إطار مؤسساتي شمولي.
وأضاف الصالح أن الوزارة تمكّنت، بفضل رفع بعض العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، من توقيع اتفاقية استراتيجية في قطاع الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار، والتي من شأنها تحسين قطاع الكهرباء ودفع عجلة الإنتاج، فضلاً عن دعم الخدمات الأساسية للمواطنين.
وذكر أن الوزارة بدأت بالفعل في تجهيز غرفة عمليات مركزية بالتعاون مع وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والزراعة والدفاع المدني، وقد تمكنت من احتواء حرائق الغابات التي اندلعت مؤخراً في منطقة الساحل السوري بعد عمل متواصل استمر سبعة أيام.
وبخصوص التمويل، أكد الوزير أن الموازنة الرئيسية للوزارة تأتي من الدولة، كما هو الحال مع باقي الوزارات، لكن هناك دعماً إضافياً يُحصل عليه عبر شراكات مع مانحين دوليين لتمويل مشاريع محددة أو تطوير البنية التحتية، دون أن يشمل ذلك الرواتب أو النفقات التشغيلية العامة.
ورغم مرحلة التأسيس التي لا تزال فيها الوزارة، قال الصالح إن العمل الميداني قد بدأ فعلياً، وإن التحديات الأمنية واللوجستية لا تزال قائمة، لكن الإرادة السياسية والدعم الدولي يشكلان دعماً محورياً لتحقيق الأهداف المنشودة.
وفي سياق متصل، أعلن الوزير عن إطلاق خطة وطنية موسعة لمكافحة الحرائق الزراعية وحماية الأمن الغذائي، تهدف إلى منع تكرار الكوارث التي طالت المحاصيل والمزارع في مناطق مختلفة، مشدداً على أن الوزارة تعمل على توسيع نطاق تدخلاتها رغم التحديات المتعلقة بنقص الإمكانيات وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق.
ويأتي هذا الإعلان في إطار الهيكلة الحكومية الجديدة التي أطلقتها الحكومة السورية مؤخراً، والتي تهدف إلى تحسين الأداء المؤسسي وتعزيز الاستجابة للكوارث الطبيعية والإنسانية، في ظل تحسن العلاقات الدولية ورفع بعض القيود الاقتصادية.
وتُعد هذه الخطوات بداية لمرحلة جديدة من التعافي الوطني، حيث تسعى الحكومة إلى تحويل التحديات إلى فرص لإعادة إعمار البنية التحتية وبناء السلام والأمان لجميع المواطنين.