تشهد الأراضي الزراعية في ريف حمص الشمالي أزمة كبيرة هذا العام، نتيجة انخفاض منسوب المياه بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى تضرر موسم زراعي كامل وتراجع إنتاج المحاصيل المختلفة، سواء كانت تعتمد على الأمطار أو الري.
هذه الكارثة أثرت بشكل مباشر على المزارعين والفلاحين، وألقت بظلالها السلبية على قطاعات اقتصادية أخرى مرتبطة بالحركة الزراعية.
نسبة الضرر تصل إلى 60%
أكد المزارع عوض عبيد، في حديث لمنصة سوريا 24، أن نحو 60% من سكان المنطقة يعتمدون بشكل أساسي على المواسم الزراعية كمصدر دخل رئيسي، لكن هذا العام لم يشهدوا موسمًا زراعيًا حقيقيًا، ما انعكس خسائر مالية فادحة عليهم.
وأشار إلى أن “الموسم غاب تمامًا، والسبب الرئيسي هو نقص مياه الأمطار”، لافتًا إلى أن حتى المحاصيل التي تعتمد على الري، مثل الثوم، شهدت انخفاضًا كبيرًا في الأسعار، ما زاد من حدة الخسائر.
وأوضح عبيد أن نسبة الأراضي المروية ضعيفة جدًا، بسبب انخفاض منسوب السدود والبحيرات الرئيسية التي تُستخدم في الري، مثل بحيرة قطينة وبحيرة الرستن، التي لم يتم فتح قنوات ري منها هذا العام.
وأضاف أن الجهات المحلية لم تقم بأي دور يُذكر لاحتواء الأزمة، ولم يُقدَّم أي شكل من أشكال الدعم أو التعويض للمزارعين المتضررين.
ضعف المصادر المائية يؤثر على الآبار
من جانبه، قال ليث البكور، ناشط مدني من سكان ريف حمص الشمالي، في حديث لمنصة سوريا 24، إن وضع الآبار في المنطقة يعتمد على ثلاثة مصادر لتغذية المياه: الأمطار، وساقية الري من بحيرة قطينة، ومياه بحيرة الرستن.
وأكد أن الأمطار كانت قليلة جدًا هذا العام، ولم تصل مياه البحيرة إلى المناطق كما كان متوقعًا، بينما بحيرة الرستن فقد جفّت تمامًا. وأضاف: “لا أحد باستطاعته أن يفعل شيئًا لاحتواء الأزمة”، مشيرًا إلى استحالة استمرار زراعة الأراضي في ظل هذه الظروف.
لا حلول إلا بمنع الحفر العشوائي
بدوره، أكد عبد القادر الشعبان، رئيس المجلس المحلي في مدينة تلبيسة، في حديث لمنصة سوريا 24، أن الموسم الزراعي “متضرر بشكل كبير” هذا العام، خاصة بالنسبة لمحاصيل القمح والكمون واليانسون، وهي من المحاصيل الأساسية في المنطقة.
وأوضح أن الانخفاض الكبير في منسوب المياه في بحيرة قطينة، التي تُعد المصدر الرئيسي لري الأراضي الزراعية في ريف حمص الشمالي، كان عاملًا مركزيًا في الأزمة.
وحول الحلول الممكنة، أشار الشعبان إلى أن الإجراء الوحيد الذي تم اتخاذه حتى الآن هو “منع حفر الآبار العشوائي”، حيث تم تعميم تحذير قبل أسبوعين من خطورة استمرار هذا النوع من الحفر، باعتباره يساهم في استنزاف المياه الجوفية دون رقابة. لكنه أقرّ بأن “الضرر كبير جدًا، والمزارعون هم من يتحملون العبء الأكبر”.
الآثار الاقتصادية تتجاوز الفلاحين
إلى جانب الخسائر الزراعية المباشرة، بيّن عدد من التجار أن غياب الموسم الزراعي أثّر على حركة الأسواق التجارية، وقلّص من النشاط الاقتصادي في القرى والمدن الصغيرة.
ومع انعدام الدخل الزراعي، تراجعت القدرة الشرائية لدى السكان، ما أدى إلى توقف العديد من المحال التجارية عن العمل، أو تقليص ساعات عملها.
وفي ظل غياب الدعم الحكومي والمحلي، يطالب المزارعون بتدخل عاجل من الجهات المعنية، سواء عبر تقديم تعويضات مباشرة، أو دعمهم بمصادر بديلة للمياه، أو إطلاق مشاريع ريّ جديدة تتناسب مع الظروف المناخية المتغيرة. كما يطالب البعض بإعادة النظر في سياسات إدارة الموارد المائية، وإيجاد حلول مستدامة لمشكلة الجفاف المتكررة في المنطقة.