تصادف اليوم الذكرى السنوية الرابعة عشرة لمجزرة “جمعة أطفال الحرية”، التي ارتكبتها قوات النظام السابق في 3 حزيران/يونيو 2011 بحق متظاهرين سلميين في مدينة حماة، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدتها بدايات الحراك الشعبي السوري.
وبحسب التوثيقات الصادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن قوات الأمن التابعة لنظام الأسد السابق فتحت النار بشكل مباشر على مظاهرة سلمية كانت تحاول الوصول إلى ساحة العاصي وسط مدينة حماة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 65 مدنيًا، بينهم 7 أطفال، وإصابة العشرات بجروح خطيرة.
وقد تميزت هذه المجزرة باستخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المواطنين العزّل الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والكرامة الإنسانية.
تشكل مجزرة “جمعة أطفال الحرية” جزءًا من سياسة قمعية منهجية انتهجها نظام الأسد السابق منذ اللحظات الأولى للحراك الشعبي الذي انطلق في منتصف شهر آذار/مارس 2011.
وكان الهدف منها واضحًا: إرهاب المتظاهرين وإخماد صوت الشعب المطالب بالإصلاح والتحول الديمقراطي عبر استخدام الرصاص الحي، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، حسب الشبكة الحقوقية.
وحسب تقرير الشبكة السورية، فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين الذين قُتلوا خلال الشهر الأول من الثورة، أي بين 15 آذار/مارس و15 نيسان/أبريل 2011، نحو 277 شخصًا، فيما اعتُقل أكثر من 1437 مواطنًا.
كما أكدت المنظمات الحقوقية الدولية، من بينها هيومن رايتس ووتش، أن الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وفي تقرير نشرته “هيومن رايتس ووتش” في 1 حزيران/يونيو 2011، أكدت المنظمة أن القمع الدامي الذي طال المتظاهرين السلميين قد تجاوز كل حدود القانون الدولي والإنساني، وأشارت إلى وجود أدلة على تنسيق عسكري وأمني مركزي لإطلاق النار على المحتجين.
وفي اليوم السابق للمجزرة، أي في 2 حزيران/يونيو 2011، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، أن ما لا يقل عن 70 شخصًا قُتلوا في سوريا خلال الأسبوع الماضي وحده نتيجة لقمع الاحتجاجات، داعيًا إلى وقف فوري للعنف ومحاسبة المسؤولين.
وكانت “جمعة أطفال الحرية” واحدة من سلسلة تظاهرات أسبوعية كان يتم تنظيمها في مختلف المحافظات السورية تحت شعارات تعكس مطالب الشعب السوري، حيث أصبحت يوم الجمعة رمزًا للحراك الشعبي، وتلقى فيه المتظاهرون الدعم من الداخل والخارج رغم مخاطر الموت والاعتقال.
وبعد 14 عامًا على تلك المجزرة، ما زالت عائلات الضحايا تعيش وجع الفقدان دون تحقيق العدالة أو تقديم مرتكبي الجرائم إلى المحاكم.
وتؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن إحياء ذكرى هذه المجازر ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا التزام قانوني يتطلبه مبدأ المساءلة الدولية، ويترتب عليه ضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وترى المنظمات الحقوقية أن تحقيق العدالة يشكل ركيزة أساسية لتحقيق السلام والاستقرار المستدام في سوريا، مشددة على ضرورة مواصلة الضغوط الدولية لإحالة ملف الانتهاكات في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعم آليات التحقيق الدولية مثل لجنة التحقيق المعتمدة من الأمم المتحدة.
ما زالت مجزرة “جمعة أطفال الحرية” رمزًا لدموع الحرية ولضريبة الدم الباهظة التي دفعها الشعب السوري في سبيل الكرامة والعدالة.
ومع مرور الزمن، يبقى الأمل معقودًا على أن تُكتب لهذه الجرائم نهاية تتمثل في المحاكم الدولية، وأن يُنفذ وعد العدالة، حتى لا تُنسى أسماء الضحايا، ولا تُطمس حقائق الجرائم التي ارتكبتها آلة القمع السورية بحق أطفال ونساء وشيوخ كانوا يحلمون بوطن حر ومستقل.