دمج المقاتلين الأجانب: خطوة استقرار استراتيجية في سوريا أم مخاطر أمنية؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في خطوة وُصفت بالجريئة والمثيرة للجدل، أعلنت القيادة السورية الجديدة عن خطة لدمج حوالي 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الأويغور القادمين من الصين ودول مجاورة، ضمن وحدة عسكرية جديدة تُعرف باسم “الفرقة 84”
في الجيش السوري.

هذه الخطوة، التي حظيت بدعم الولايات المتحدة وضمانات دولية، تهدف إلى إعادة تأهيل المقاتلين الجهاديين السابقين ودمجهم في بنية الجيش الوطني، في سياق جهود إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الصراع الذي بدأ عام 2011.

الدعم الأمريكي والضمانات الدولية

وفقًا لوكالة “رويترز”، أعطت واشنطن الضوء الأخضر لهذه الخطة، كما أكد المبعوث الأمريكي توماس باراك
في تصريحاته أن الولايات المتحدة تدعم دمج المقاتلين الأجانب بشرط الالتزام بالشفافية والوضوح في التنفيذ.

ويأتي هذا الموقف في تحول كبير عن السياسة الأمريكية السابقة في آذار/مارس 2025،
التي عارضت تولي المقاتلين الأجانب مناصب عليا في الحكومة أو الجيش.

ويرى معهد دراسات الحرب في واشنطن، في تقرير له، أن “هذه الخطوة تهدف إلى منع هؤلاء المقاتلين
من الانضمام إلى جماعات سلفية جهادية، خاصة مع تصاعد نشاط هذه الجماعات في أيار/مايو 2025”.

أهمية الخطوة والتحديات

تشير ورقة بحثية نشرها رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في المركز العربي للأبحاث
ودراسة السياسات، إلى أن إعادة إدماج الفصائل المسلحة في جيش وطني تُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار
طويل الأمد في سوريا.

ومع ذلك، يحذر البحث من أن فشل هذه العملية قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات، وتقويض الشرعية الحكومية،
وحتى عودة الصراع. العقبات القانونية والسياسية والتشغيلية تشكل تحديات كبيرة،
خاصة مع نقص البيانات الدقيقة وصعوبة الوصول إلى بعض الفصائل المسلحة.

بدوره، أوضح المحلل العسكري العقيد عبد الله الأسعد، في حديث لمنصة “سوريا ٢٤”، أن دمج المقاتلين الأجانب،
الذين ينحدرون من خلفيات ثقافية وعسكرية متنوعة مثل آسيا والشيشان والقوقاز، يتطلب دراسة دقيقة وحذرًا شديدًا.

وأشار إلى أن “هؤلاء المقاتلين قد يشكلون وحدات راديكالية إذا لم يتم دمجهم بطريقة مدروسة ضمن وحدات سورية محلية،
مع ضرورة تأهيلهم عسكريًا ونفسيًا”، ومع ذلك، لا تزال الآليات التنفيذية غامضة، مما يثير تساؤلات حول كيفية تطبيق هذه الخطوة عمليًا، وفق تعبيره.

التداخل المجتمعي وفرص التوطين

من جانبه، يرى الباحث العسكري رشيد حوراني، في حديث لمنصة “سوريا ٢٤”، أن دمج المقاتلين الأجانب
يعكس تعقيدات مفهوم الانتماء والجنسية بالنسبة لهؤلاء الأفراد. خلال أكثر من عقد من النزاع،
انخرط هؤلاء المقاتلون في المجتمع السوري، حيث تزوج بعضهم من سوريات واندمجوا اجتماعيًا.

ويؤكد حوراني أن استغلال هذا التداخل المجتمعي يمكن أن يشكل فرصة لتوطينهم وإعادة تأهيلهم كجزء من الحياة
المدنية أو العسكرية في سوريا، بدلًا من تركهم عرضة للانضمام إلى جماعات متطرفة.

الفرقة 84 والحزب الإسلامي التركستاني

تضم “الفرقة 84” مقاتلين أجانب، معظمهم من الأويغور المنتمين إلى الحزب الإسلامي التركستاني،
الذي يُعرف بولائه لهيئة تحرير الشام.

ووفقًا لمعهد دراسات الحرب، فإن دمج هؤلاء المقاتلين في الجيش السوري
يهدف إلى تقليل خطر انضمامهم إلى جماعات متطرفة.

ومع ذلك، يثير هذا القرار مخاوف بشأن العلاقة الناشئة بين الحكومة السورية الانتقالية والصين،
التي عارضت منذ فترة طويلة أنشطة المقاتلين الأويغور في سوريا.

ورغم ذلك، قد ترى الصين في هذا الدمج وسيلة لاحتواء تهديدهم، خاصة مع سعيها لتعزيز العلاقات الدبلوماسية
مع الحكومة السورية الجديدة من خلال زيارات رسمية ومذكرات تفاهم للاستثمار في إعادة الإعمار.

جيش موحد بمشاركة فصائل متنوعة

وحسب تقرير لصحيفة “ذا ناشيونال”، أفاد مصدر عسكري سوري مطّلع أن عملية تشكيل الجيش السوري الجديد
قد شهدت تقدمًا ملحوظًا، حيث تم حتى الآن تجنيد نصف القوة المخطط لها، والتي من المتوقع
أن يصل قوامها إلى 200,000 جندي.

وأوضح المصدر أن لواءً يضم نحو 3500 مقاتل قد تم تشكيله بالفعل، ويتألف معظم أفراده من الإيغور.
ويقود اللواء شخص يُعرف باسم “أبو محمد التركستاني”، والذي يرتبط بولاء لشخصية إيغورية بارزة في سوريا
تُدعى “أبو دجانة”، وتتمتع هذه الشخصية بقناة اتصال مباشرة مع الرئيس.

ويضم الجيش الجديد حوالي 30,000 عنصر من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا،
إضافة إلى نحو 15,000 عنصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)،
التي تسيطر حاليًا على مناطق واسعة في شرق البلاد.

أما من ناحية الرواتب، فهي تتراوح بين 150 و500 دولار شهريًا، وتُدفع من موارد خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام،
بما في ذلك شركتان للاتصالات كانتا مملوكتين سابقًا للرئيس المخلوع بشار الأسد وأعوانه.

ومن المخطط تنظيم الجيش إلى فرق عسكرية، كل فرقة تضم 20,000 عنصر، وتتكوّن من خمسة ألوية هي:
لواءان مشاة، لواء مدرع، لواء قوات خاصة، ولواء متعدد المهام.

أما على الصعيد القيادي، فإن وضع الخطط العسكرية يقع على عاتق علي نور الدين الناصع،
الذي عيّنه الرئيس الشرعي قائدًا عامًا للجيش في شهر يناير الماضي، بالتعاون مع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة،
وهما من الشخصيات المقربة من الرئيس.

التحديات الدولية والمستقبل

يبقى السؤال الأبرز حول مدى نجاح هذه الخطوة في تحقيق الاستقرار دون إثارة توترات دولية،
خاصة مع الصين التي تعتبر احتواء الحزب الإسلامي التركستاني عاملًا رئيسيًا في سياستها تجاه سوريا.

كما أن نجاح عملية الدمج يعتمد على توفير برامج تأهيل فعّالة وآليات تنفيذ واضحة،
مع ضمان الشفافية لتجنب أي تداعيات أمنية مستقبلية.

وفي ظل التحديات القانونية والسياسية التي أشار إليها البحث، تبقى هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر،
لكنها قد تمثل فرصة لإعادة بناء سوريا كدولة مستقرة وموحدة إذا تم تنفيذها بحكمة.

مقالات ذات صلة