“مساء البارحة، عادت آخر ثمان عائلات، كانوا يسكنون ضمن الساتر السوري الأردني، إلى تدمر والقريتين وريف دير الزور. لكن لا تزال هناك قرابة 30 عائلة خارج المخيم على الحد السوري، وهم محسوبون عليه، بعضهم من البدو الرحل”.
بهذه الكلمات يلخّص عماد غالي، من سكان القريتين وناشط إغاثي وطبي سابق في المخيم، في تصريح خاص لـ “سوريا 24“، وهو أحد شهود المرحلة الأخيرة من مخيم الركبان، واقع العودة وما تبقّى من العائلات التي لم تشملها عمليات الإخلاء بعد. ففي الوقت الذي أعلنت فيه المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، بالتعاون مع منظمة الإغاثة الإسلامية في الولايات المتحدة (IRUSA)، عن الإغلاق الرسمي للمخيم، لا تزال بعض الجيوب الصغيرة من العائلات البدوية تنتظر حلولاً تتناسب مع طبيعتها المتنقلة.
واحدة من أقسى حكايات النزوح في سوريا تُطوى
أُقيم مخيم الركبان مطلع العقد الماضي في منطقة خفض التصعيد قرب قاعدة التنف الأميركية، ليضم في ذروته أكثر من 85 ألف نازح من أبناء البادية السورية. ومع الحصار الذي فرضه النظام السوري وحلفاؤه، وإغلاق الأردن للحدود، ووقف المساعدات بعد هجوم لتنظيم داعش عام 2016، تحوّل المخيم إلى “سجن مفتوح” يفتقر لأبسط مقوّمات الحياة.
عاش السكان لسنوات وسط ندرة في الغذاء والدواء، واعتمدوا على التهريب للبقاء، بينما كانت الخدمات الطبية شبه معدومة.
وفي هذا السياق، قال الناشط خالد الحمصي، من ريف حمص الشرقي، في حديثه لـ “سوريا 24“، إنّ “عدد العائلات التي غادرت إلى مخيم الركبان بعد سقوط النظام في المنطقة بلغ قرابة 400 عائلة، معظمهم من تدمر والقريتين ومهين ودير الزور، وكانوا يخشون عمليات انتقام أو اعتقال من قوات النظام.” وأوضح أنّ ظروف النزوح في البداية كانت قاسية جداً، وازدادت سوءاً بعد الحصار.
سنوات من الإغاثة والعمل الميداني
منذ عام 2019، قادت SETF تدخلات إنسانية نوعية، بدأت بتأسيس أول صيدلية مجانية داخل المخيم، ثم أبرمت شراكات مع الجيش الأميركي لتأمين إيصال مساعدات جوية وبرية شملت أدوية ومواد غذائية وكتباً مدرسية وأطباء.
وفي يونيو 2024، وُصفت لحظة فارقة عندما نجحت المنظمة، عبر الضغط على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، في تأمين أكثر من 650 طناً من المواد الغذائية العاجلة، إضافة إلى تفعيل بند يسمح للطائرات العسكرية الأميركية بحمل مساعدات إنسانية عند توفّر حيّز شاغر، وتأمين مقاعد للأطباء.
إشادة رسمية وخطوات مأمولة
في تعليق رسمي على هذا التطور، قال وزير الطوارئ والكوارث، رائد الصالح، عبر منصة “X”: “إغلاق مخيم الركبان يمثل نهاية لواحدة من أقسى المآسي الإنسانية التي واجهها أهلنا النازحون.
نأمل أن تشكل هذه الخطوة بداية لمسار ينهي معاناة بقية المخيمات ويعيد أهلها إلى ديارهم بكرامة وأمان.”
نهاية الركبان… وبداية أسئلة جديدة
إغلاق مخيم الركبان لا يعني نهاية ملف النزوح السوري، لكنه يشكّل سابقة إيجابية في إمكانية إنهاء معاناة طويلة الأمد، إذا توافرت الإرادة والتنسيق بين الجهود المحلية والدعم الدولي. ورغم ذلك، تبقى تساؤلات قائمة حول مصير المخيمات الأخرى في الداخل والخارج، ومصير العائلات التي لا تزال على الهامش، كحال البدو الرحل الذين أشار إليهم أبو شام غالي.
إن ما حدث في الركبان ليس مجرد ختام، بل فرصة لإعادة التفكير بكيفية معالجة جذور النزوح، وضمان عدم تكرار المأساة.