عيد الأضحى في المنفى: لاجئون سوريون يحاولون التشبث بالفرح

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

بينما كانت ساحات المدن السورية تمتلئ في صباح عيد الأضحى بالمصلين والتكبيرات وضحكات الأطفال، عاش آلاف اللاجئين السوريين في دول أوروبا عيدًا مختلفًا: باهتًا، باهظًا عاطفيًا، محملًا بالحنين.

في رصد أجرته منصة سوريا 24، ينقل لاجئون سوريون من ألمانيا، النمسا، فرنسا، والنرويج تجاربهم خلال عيد الأضحى هذا العام، بين محاولات فردية لإحياء طقوس العيد، وشعور جماعي بالوحدة والغياب، وما الذي بقي من فرحة العيد وسط ظروف اللجوء والشتات.

“العيد بلا روح”… موسى من ألمانيا: بهجة غائبة ومواصلات مرهقة

موسى، القادم مؤخرًا من تركيا إلى ألمانيا، والمقيم في ولاية شمال الراين، يحاول التكيف مع واقعه الجديد، لكنه يصف عيد الأضحى بأنه لا يشبه شيئًا مما اعتاده سابقًا: “في تركيا، كنا نعيش أجواء قريبة جدًا من سوريا: صلاة العيد، زيارات الأقارب، الأطفال في الشوارع، الأكلات التقليدية… لكن هنا في ألمانيا، لا يوجد أي بهجة.”

ويضيف: “خرجت مع عائلتي إلى كولن، وهي مدينة فيها مسجد كبير وتجمع. لكننا قضينا حوالي خمس ساعات في الذهاب والإياب، وتأخرنا عن صلاة العيد.”

والمؤلم أكثر، كما يقول موسى، هو العزلة الاجتماعية: “تواصلت مع أصدقائي، لكن لم أجد أحدًا في المنزل. بعضهم في العمل، وآخرون في دورات اللغة. قلة فقط ما زالت تحاول التمسك بعادة المعايدة، لكن المسافات بعيدة جدًا، ما يصعّب أي لقاءات. الجو العام كان باردًا ومختلفًا.”

“العيد الكئيب”… أحمد من النرويج: ثاني عيد وحدي وملفي معلق

أما أحمد، اللاجئ في النرويج منذ أكثر من عام، فيحكي عن عيد يشبه الأيام العادية، بل أشد قسوة بسبب الوحدة والانتظار: “هذا ثاني عيد أضحى لي بعيدًا عن أهلي. لم أستطع التواصل مع الجميع، فالأقارب موزعون في بلدان مختلفة. اضطررت لاستخدام مجموعة خاصة للعائلة على واتساب لأعايدهم.”

ويضيف: “لم أحضر صلاة العيد في المسجد، كنت مرتبطًا بالعمل. لكن في ثاني أيام العيد، وكان عطلة، حضرت جمعة نظمها المجتمع الإسلامي في المدينة.”

وعن شعوره العام خلال العيد، قال: “لا شيء يذكّر بالعيد. الأجواء كئيبة ومحطمة نفسيًا. حتى الآن ملف اللجوء متوقف، ولا أعرف إلى متى سأنتظر. نحن حرفيًا في عنق الزجاجة.”

“نصنع العيد بأيدينا” مبادرة مجتمعية في النمسا

في مدينة غراتس النمساوية، يروي أبو ماريا، المقيم هناك منذ نحو عشر سنوات، كيف استطاعت الجالية السورية تنظيم فعالية جماعية ناجحة رغم الإمكانيات المحدودة: “المساجد هنا صغيرة، لا تتسع لأكثر من 50 شخصًا، لذلك أطلقنا منذ سنوات مبادرة لجمع الناس في صالة أو حديقة عامة.”

ويتابع: “هذا العام، تبرع السوريون بمبالغ رمزية، وتمكنا من استئجار صالة كبيرة جمعت نحو 1500 شخص من الرجال والأطفال. أدينا فيها صلاة وخطبة العيد، تبادلنا التهاني، ووزعنا عيديات رمزية للأطفال.”

لكن رغم الجهود، العيد لم يكن مكتملًا لعائلته: “أطفالي لم يشاركوا، لأن لديهم امتحانات في المدرسة. بعد الصلاة، عايدت جيراني، ثم ذهبت إلى فيينا لزيارة أخي. اجتمعنا عنده مع أقاربي، وتناولنا الغداء سويًا. نحاول أن نصنع بأنفسنا ما خسرناه من أجواء العيد.”

“اليوم كأي يوم”… أبو محمود من فرنسا

في مدينة لوا الفرنسية، حيث يقيم أبو محمود، يبدو العيد أكثر انعزالًا: “مدينتي صغيرة ولا يوجد بها سوريون أو حتى عرب، لذلك سافرت مع عائلتي إلى مدينة شالون سور سون، حوالي 50 كم من هنا، فيها مسجد وتجمع سوري صغير.”

ورغم الجهد، واجه أبو محمود صعوبة في الإحساس بالعيد: “غاب أي تنظيم رسمي. في بعض المناطق السلطات تساعد بتنظيم المكان، توفر الحماية، وتضع ألعابًا للأطفال… لكن هنا لا شيء. الجو الماطر زاد الوضع سوءًا، فلم نستطع الذهاب إلى الحدائق أو المنتزهات.”

ويختم بقوله: “بقينا بعد الصلاة نُسلم ونعايد بعضنا، ثم عدنا إلى المنزل. كان يومًا عاديًا كأي يوم آخر، الفرق الوحيد أننا أدينا صلاة العيد.”

عيد أضحى بطعم الحنين والانتظار

بين التنقل والسفر، والعمل، والبرد، والبعد عن الأهل، تأتي اللحظة الوحيدة التي تحمل طيفًا من العيد: صلاة العيد، أو لقاء متواضع، أو مكالمة مع العائلة.

بالنسبة لكثير من اللاجئين السوريين، عيد الأضحى في أوروبا ليس كما عرفوه في سوريا، ولا حتى كما تمنوه بعد سنوات الحرب. إنه أشبه بمحاولة حثيثة للحفاظ على بقايا طقس جماعي في زمن الغربة والتشظي.

لكن رغم كل شيء، يبقى في قلوبهم أمل بأن العيد القادم يحمل شيئًا مختلفًا: استقرار، لقاء، وعودة إلى ما كانوا يعرفونه يومًا باسم “العيد”.

مقالات ذات صلة