أكدت وزارة الخارجية الهولندية في تقريرها السنوي أن الوضع العام في سوريا لا يزال “غير مستقر” و”هشًا إلى حد بعيد”، رغم التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها البلاد إثر سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وقد أُجبرت الحكومة الهولندية على نشر هذا التقرير بعد صدور قرار قضائي من محكمة “روموند”، إثر دعوى تقدم بها لاجئ سوري طُعن برفض طلب لجوئه.
تقييم حاسم لمصير آلاف السوريين
التقرير يشكل المرجع الأساسي الذي تعتمد عليه السلطات الهولندية في تحديد مستقبل طالبي اللجوء السوريين، سواء من حيث البقاء المؤقت أو الترحيل. ويأتي في وقت حرج، إذ ينتظر صدوره أكثر من 15 ألف طالب لجوء، إلى جانب نحو 30 ألف ملف لمّ شمل، بينما يقدَّر عدد السوريين المقيمين في هولندا بنحو 160 ألف شخص.
مشهد أمني متقلب ومتشظٍ
لم يقدّم التقرير استنتاجًا عامًا بشأن اعتبار سوريا بلدًا آمنًا، لكنه أوضح أن الأوضاع الأمنية حتى شهر نيسان/ أبريل 2025 كانت شديدة التقلّب، مع تباينات واضحة في درجات الاستقرار من منطقة لأخرى، بل ومن حي إلى آخر داخل المدينة ذاتها.
فقد وصف العاصمة دمشق بأنها “أكثر هدوءًا نسبيًا” لكنها ما زالت تعاني من هشاشة أمنية لافتة، في حين أن مناطق مثل حمص، وحماة، واللاذقية وطرطوس شهدت اضطرابات حادة نتيجة ما وصفه التقرير بـ”تمردات أمنية محدودة” من بقايا الأجهزة التابعة للنظام السابق، ما أدى إلى تصاعد طائفي وسقوط مئات المدنيين في مارس/آذار الماضي.
في الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظتي درعا والقنيطرة، تسود حالة من التوتر المستمر بسبب التوغلات العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب تدخلات سياسية مرتبطة بالطائفة الدرزية، مما أضاف مزيدًا من التعقيد على المشهد الميداني.
العمليات الإسرائيلية والتوتر الإقليمي
أشار التقرير إلى أن إسرائيل نفذت ضربات جوية ضد أهداف عسكرية في ثماني محافظات سورية على الأقل، كما توغلت في عمق الجنوب السوري، واحتلت مناطق عازلة كانت منزوعة السلاح سابقًا.
واعتُبر هذا التحرك سببًا مباشرًا في زعزعة الوضع الأمني، خصوصًا في مناطق مثل القنيطرة ودرعا، حيث ترافق ذلك مع تصريحات إسرائيلية بشأن “الدفاع عن الدروز”، ما زاد من التوتر الداخلي.
غياب التمثيل الرسمي وغياب الضمانات
رغم استئناف بعض قنوات الاتصال غير الرسمية مع الحكومة الانتقالية، أكدت الخارجية الهولندية أنها لم تعِد فتح أي تمثيل دبلوماسي لها في دمشق.
واعتبرت أن غياب العدالة الانتقالية، إلى جانب استمرار الانتهاكات في بعض المناطق، يمنع حتى الآن اعتبار البلاد آمنة بما يكفي لإعادة اللاجئين.
العودة الطوعية محدودة والجدل السياسي محتدم
أفاد التقرير بأن عدد العائدين الطوعيين من السوريين المقيمين في هولندا لم يتجاوز 380 شخصًا حتى الآن، وذلك ضمن برنامج حكومي خاص.
ورغم ذلك، تستمر بعض الأصوات السياسية في المطالبة بترحيل السوريين، وعلى رأسهم زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، الذي صرّح مؤخرًا بأن “لا مبرر لبقاء أي لاجئ سوري في البلاد”.
في المقابل، كانت وزيرة الهجرة المستقيلة مؤخرًا، مارولين فابر، قد صرّحت في مارس الماضي بأن سوريا “آمنة بدرجة كافية”، وهو ما أثار موجة من الانتقادات من قبل منظمات حقوقية وخبراء في شؤون اللجوء، خصوصًا أن تقييم الخارجية نفسه يناقض هذا الطرح.
خلص التقرير إلى أن سوريا لا تزال تمرّ بمرحلة انتقالية حساسة، تتسم بضعف في بسط السلطة، غياب منظومة عدالة فعّالة، انقسام مناطقي واضح، وتوترات عسكرية وسياسية مزمنة، تجعل من فكرة العودة الآمنة للاجئين خيارًا غير واقعي في الوقت الراهن.